مشاهدات
د . يحيى الكبيسي
تبنت « المقاومة الإسلامية في العراق (سرايا أولياء الدم) » في بيان لها أسمته البيان رقم واحد في 26 آب/ أغسطس عملية استهداف رتل عسكري أمريكي « منسحب من معسكر التاجي نحو قاعدة عين الأسد » في منطقة الغزالية غرب بغداد وقد نشرت قناة العالم الإيرانية يومها فيديو يصور هذه العملية كما نشرت قناة الأنوار2 البيان على صفحتها على تويتر! وقد تبنى البيان أيضا عملية استهداف «موكب أمني تابع للمخابرات الأمريكية» في برطلة شرقي الموصل وقد تبين لاحقا أن الموكب الذي تم استهدافه قرب قرية شاقولي التابعة لناحية برطلة لم يكن سوى عجلتين تابعتين لبرنامج الغذاء العالمي .
في 4 أيلول/ سبتمبر 2020 أصدرت سرايا أولياء الدم البيان رقم 2 وفيه هددت بعثة الأمم المتحدة في العراق باستهداف مركباتها العاملة في العراق بعد «يقينها» بأن القوات الامريكية العاملة في العراق تستخدم مركبات البعثة الأممية «تحاشيا لضربات المقاومة»!
في البيان رقم 3 والذي نشر بتاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2020 تبنت سرايا أولياء الدم أيضا عملية استهداف رتل أمريكي في منطقة الشعلة في بغداد بتاريخ 7 أيلول/ سبتمبر . وفي 5 شباط/ فبراير 2021 نشرت سرايا أولياء الدم فيديو يصور ما قالت عنه انه يصور استهدافا لرتل عسكري أمريكي قرب منطقة اللحيس غرب البصرة في يوم 1 شباط/ فبراير . وفي 16 شباط/ فبراير 2021 نشرت سرايا أولياء الدم بيانها رقم 4 الذي تبنت فيه عملية استهداف أربيل، وقالت فيه إنه «لن يكون الاحتلال الأمريكي بأمان واستقرار حتى لو نقل قواعده إلى حكومة عميلة ترحب به محتلا» ومتهمة القادة الكرد بأنهم يرحبون «بالاحتلال التركي لأرض العراق» مهددة في الوقت نفسه السياسيين الكرد بأنه «إن لم تستقيموا قومناكم بصواريخنا التي ما زلنا نخزنها في كردستان وفي أربيل بشكل خاص»! فمن هي «سرايا أولياء الدم» وما موقعها في سياق المواجهة الامريكية ـ الإيرانية في العراق؟
بعد أول رشقة كاتيوشا على المنطقة الخضراء في بغداد في أيار/ ماي 2019 قلنا إنها لم تكن سوى رسالة إيرانية مباشرة إلى طرفين : الولايات المتحدة الأمريكية لإبلاغها بان جنودها ومصالحها في العراق هي أهداف صريحة في سياق المواجهة الأمريكية الإيرانية والطرف الثاني هو الدولة العراقية «المفترضة» بجميع سلطاتها ومؤسساتها بأنها لن نسمح لها بأن تكون طرفا محايدا في إطار هذه المواجهة وأن ثمة دولة موازية لديها سلاح مواز لا سلطة لها عليه! ورغم عدم تبني أية جهة مسؤولية الهجمات التي تلاحقت بعد ذلك على المنطقة الخضراء والمعسكرات التي تضم قواتا أمريكية فقد كان واضحا ان الهدف هو إيصال رسائل سياسية وليس إيقاع خسائر عسكرية حقيقية خشية من ردة الفعل الأمريكية لكن قصف مطار كركوك في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2019 خرج عن السيطرة فتسبب بمقتل متعاقد مدني أمريكي ثم بعدها بأربعة اقتحمت السفارة الامريكية في بغداد مما تسبب بردة فعل أمريكية غير متوقعة باغتيال الجنرال سليماني ـ أبو مهدي المهندس في الأسبوع نفسه!
بعد أكثر من 17 شهرا من الإنكار لأية علاقة بين فصائل الحشد الشعبي والفصائل الوهمية التي أعلنت تبنيها للهجمات على الأهداف الأمريكية جاء لقاء ممثلة الأمين العام في العراق جنين بلاسخارت بأبي فدك المحمداوي خليفة أبو مهدي المهندس على رأس القيادة الحقيقية للحشد الشعبي يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 ليكشف عن حقيقة أن هذه الفصائل الوهمية ليست سوى أقنعة لفصائل معروفة ومعرفة وان الغرض من استخدام هذه المسميات الوهمية ومن بينها سرايا أولياء الدم هو التهرب من المسؤولية المباشرة عن هذه العمليات خشية الملاحقة من جهة ولعدم إحراج هيئة الحشد الشعبي التي يفترض انها جهة رسمية وأنها جزء من القوات المسلحة حسب قانونها (بالتأكيد لا أحد في العراق يصدق هذه الخرافة) فقد استطاعت بلاسخارت بطلب أمريكي ان تتوصل إلى «هدنة» معلنة ببيان رسمي مما يدعى « الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية» التي تضم هذه الفصائل الوهمية لمدة شهر قبيل الانتخابات الأمريكية!
بالتالي ليست «سرايا أولياء الدم» سوى اسم وهمي وهي مجرد «قناع» لإحدى الفصائل المنضوية تحت عباءة هيئة الحشد الشعبي وحيث إن معظم هذه الفصائل مرتبطة عضويا بإيران فهذا يعني أنها لا تمتلك أي قرار ذاتي حقيقي فيما يتعلق برسائل الكاتيوشا وانها مجرد أداة لإيصال هذه الرسائل فما هي الرسالة التي أرادت إيران ايصالها إلى الولايات المتحدة من جهة وإلى أربيل من جهة ثانية؟
بعد سلسلة استهداف القوات الأمريكية في العراق قررت هذه القوات في آذار 2020 إعادة الانتشار عبر الانسحاب من جميع القواعد التي كانت تتواجد فيها والبقاء في قاعدتي عين الأسد في محافظة الانبار وقاعدة حرير في محافظة أربيل حصرا . فالقاعدة الأولى تقع في منطقة مكشوفة في عمق الصحراء وبالتالي لا يمكن لها أن تصل اليها رسائل الكاتيوشا والقاعدة الثانية فضلا عن انها تعكس طبيعة العلاقة المتميزة بين الولايات المتحدة وإقليم كردستان فان طبيعة العلاقة الجيدة بين إيران والإقليم تجعل من المستبعد أن تحاول الأولى إيصال رسائل الكاتيوشا إليها عبر وكلائها! ولكن من الواضح ان الإيرانيين لديهم حساباتهم المختلفة هنا لهذا عمدت على إيصال هذه الرسائل كان أولها في 30 أيلول/ سبتمبر 2020 والثانية في شباط/ فبراير الحالي!
وإذا كانت الرسائل المتعلقة بالولايات المتحدة تأتي في سياق تكرار محتوى الرسائل السابقة ومفادها أن إيران مستعدة لاستمرار الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق المشاركة التي بدأت في العام 2003 وانها لن تسمح بالمس بمصالحها أو وكلائها في هذا البلد. فان طبيعة الرسائل الموجهة إلى أربيل تبدو ذات حمولة مختلفة.
إن مراجعة تاريخ العلاقة بين إيران والحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني خلال الخمسين سنة الأخيرة تكشف عن تحولات شديدة التطرف وقد كشفت وقائع ما بعد استفتاء استقلال إقليم كردستان الذي جرى في العام 2017 عن ضرورة استحضار هذا التاريخ لتفسير الوقائع التي يمكن أن تحدث بين هذه الأطراف. يومها كان للحشد الشعبي وتحديدا الفصائل الأكثر ارتباطا بإيران الدور الأكبر في المواجهة العسكرية مع قوات البيشمركة في أعقاب السيطرة على محافظة كركوك وصل الأمر إلى التهديد باقتحام أربيل نفسها! وبالتالي لا يمكن إغفال ان إيران لن تقبل بأي محاولة لاستقلال الإقليم لما يمثله ذلك من خطر حقيقي على الجغرافيا الإيرانية نفسها (لنتذكر فقط ان أول إعلان لجمهورية كردية كانت في كردستان إيران) وانها لن تسمح بوجود معارضة كردية إيرانية فاعلة في الإقليم (قصفت إيران أكثر من مرة مقرات لهذه الأحزاب داخل إقليم كردستان) وأن إيران لن تغض الطرف عن علاقات أمريكية مع أربيل يمكن أن تهدد المصالح الإيرانية او علاقات تركية مع أربيل على حسابها وأخيرا يجب على الإقليم القبول باحتكار الفاعل السياسي الشيعي المدعوم إيرانيا للسلطة في العراق وأنها لن تتهاون مع أية محاولة كردية لتهديد هذا الاحتكار!
إرسال تعليق