اغلاق السفارة وقرار الحرب

مشاهدات



د. فاتح عبدالسلام


لا تزال حاضرة وطريّة في ذهن الامريكان وحساباتهم، التجربة المريرة في الهجوم على السفارة الأمريكية في طرابلس وقتل السفير من مليشيات مختلطة بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا. وانطلاقاً من هذا الهاجس فإنّ الامريكان يتوقّعون حدوث أيّ شيء في العراق الذي يضم مليشيات منضبطة وغير منضبطة أضعاف مايوجد في ليبيا. لكن هناك بعض الاختلافات الاساسية منها انَّ الخبرة الامريكية في العراق باتت راسخة فضلاً عن وجود قوات واستعدادات وتحصينات. ومع ذلك ذهبت واشنطن الى خيار من الخيارات الاخيرة عبر ما نقل عنها في نيتها اغلاق السفارة في المنطقة الخضراء، وهي ليست سفارة عادية الحجم والتجهيز، وكانت كلفة بنائها تقرب من ستمائة مليون دولار ، فضلاً عن انها قادت عملية اقامة نظام سياسي جديد في العراق بعد ٢٠٠٣، وهذا يعني الكثير في الحسابات الدقيقة وجرد دفع الفواتير.

قرار اغلاق السفارة الامريكية ، ليس مزحة تمر وتعبر، هذا احد قرارات الحرب الكبرى . فما جرى بين العراق وايران من حرب المليون قتيل في ثماني سنوات لم يمنع من ابقاء السفارتين بين البلدين المتحاربين مفتوحتين. ولنتخيل جسامة الاغلاق لو تمّ فعلاً 

هناك ما لايقل عن اثنتي عشر سفارة اجنبية في بغداد تعتمد على تأمين وضعها الامني بشكل غير مباشر على المارينز الامريكي الذي يحمي سفارة واشنطن، إذ في أوقات الازمات والهجمات والحروب تحتمي السفارات الاجنبية بعضها بالبعض الاخر بحثاً عن اجلاء آمن للرعايا والموظفين والدبلوماسيين، لاسيما اذا حدث ذلك في العراق الذي فشل في تأمين الحماية لهم من وجهة نظرهم ساعة الاجلاء.

إنَّها مقاربة لوصف كارثة حقيقية، لم يمر بها العراق من قبل، حتى في زمن النظام السابق. هل تدرك ذلك القوى السياسية التي أنفقت ثماني عشرة سنة تعيسة في تصفيات ومناكفات واهدار لطاقات البلد عبر الاهمال او الفساد. ألا ينطبق وصف تكرار اختطاف العراق وشعبه وثرواته وزجّه في أتون غابة من الظلمات لن يخرج منها إلا بعد استنزاف ما بقي منه سالماً حتى الآن .

ببساطة ، اقرب لكم الصورة أكثر ، إنَّ تنفيذ قرار غلق السفارات والبعثات الاجنبية يعني أن العراق لم يعد يحمل صفة دولة يثق فيها العالم، وهو أقرب الى شريعة الغابة منه الى سياق العلاقات الدولية والمواثيق ، وتلك هي النهاية لو تعلمون.

تعليقات

أحدث أقدم