العراق خسائر فادحة وملايين مهدورة جراء تزاحم العطل والمناسبات

مشاهدات



أنمار نزار الدروبي: مستشار مركز صقر للدراسات


 

في الوقت الذي يحتل العراق صدارة دول العالم بعدد أيام العطل الرسمية وبتنوع المناسبات المتكررة وغير الرسمية التي تفرضها ظروف خاصة، تتكبد خزينة البلد خسائر فادحة تقدر بملايين الدولارات عن كل يوم عطلة. ويقول خبراء اقتصاديون إن خسائر البلاد الباهظة نتيجة عدم تعويض ساعات العمل في الدوائر والمؤسسات التي تطل بسبب المناسبات، إذ يبلغ مجموع أيام العطل في العراق سنويًا 126 يومًا، من دون احتساب أيام المناسبات الدينية والعطل الاضطرارية التي تعلنها الحكومة، والتي تقع ضمن صلاحية الحكومات المحلية كل محافظة، علاوة على العطل الجزئية التي تعلنها الأوقاف.

وبسبب ذلك، يواجه القطاع العام في العراق أزمة حرجة تتمثل بقلّة الإنتاجية، إذ باتت ساعات العمل الموظفين تقدر بـ 11 دقيقة فقط في اليوم الواحد؛ قياسا إلى عدد العطل بالنسبة لأيام السنة. وبينما يحتضن القطاع الحكومي قرابة 5 ملايين موظف، في وقت يفترض ألا يتجاوز عددهم المليون، يؤكد مختصون أن الحكومة تبحث عن مصلحتها في محاولة تقليل خسائرها؛ فتكون بذلك العطل مناسبة لها ومفيدة لمصالحها على حساب مصلة البلد العليا. أمّا القطاع الخاص؛ فيرى المختصون أنفسهم أنه لا يتأثر بكثرة أيام العطل في الدولة، لكونه غير مشمول بها، فضلاً عن كونه ذا إنتاجية أكثر، وساعات عمل موظفيه منتظمة مقارنة بنظرائهم في القطاع الحكومي، بالإضافة إلى أن بعض العاملين بالقطاع الخاص غير مشمولين بعطلة نهاية الأسبوع.

وفي السياق نفسه، نقلت شبكة الجزيرة عن الاستشاري بالتنمية الصناعية والاستثمار (عامر الجواهري) قول إن حجم الخسائر المالية عن كل يوم عطلة في العراق تقدر بـ 140 مليون دولار، وذلك وفقًا لبيانات رسمية تؤكد أن رواتب موظفي الدولة تكلف ميزانية الدولة قرابة 4.2 مليارات دولار في الشهر الواحد، لذلك فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يتعرض لخسائر كيرة سببها تراجع الانتاج. وتدعي وزارة الثقافة في حكومة بغداد أنها تعتزم إعداد مشروع قانون جديد للعطل الرسمية، بالتشاور مع أطراف ثقافية وسياسية ونيابية، لاتباع معايير محددة في اختيار هذه الأيام والعمل على تقليلها، بهدف معالجة الآثار السلبية للعطل على مختلف الأصعدة، وتقليصها إلى النصف، لكن حتى الآن لا تجود بوادر حقيقية لإتمام هذا القانون الذي فيما يبدو أنه سينضم إلى قائمة القوانين الطويلة التي ما تزال مركونة دون تفعيل.


تعليق:

مما لا شك فيه نحن لسنا ضد الاجازات والعطل الرسمية التي يجب أن يتمتع بها كل أفراد المجتمع بداية من الطالب والموظف والعامل وحتى أعلى مناصب الدولة. فالعطل الرسمية أو الإجازات حق كفلته كل دساتير العالم والقوانين والأعراف الدولية والعادات والتقاليد. 

وفي نفس الوقت يجب أن تكون هذه العطل والاجازات مُقننة بسقف محدد، وذلك لكيلا يُترك الأمر للأهواء والمزاج الشخصي. وعليه نلحظ أن غالبية دول العالم تقوم باعتماد عطلتها الأسبوعية في نهاية الاسبوع، وبحسب قوانينها وتقاليدها، فبيمنا تعتمد الدول المسلمة يومي الخميس والجمعة كعطلة لنهاية الأسبوع، يكون يوما السبت والأحد عطلة نهاية الأسبوع لدول أوربا وأمريكا.

وفيما يخص الموضوع الذي نحن بصدده، حيث يبلغ مجموع أيام العطل الرسمية في العراق على نحو ما يقارب 150 يوما منها عطل دينية ووطنية وطارئة، إضافة إلى العطلة الأسبوعية التي تشمل يومي الجمعة والسبت، ناهيك عن (اليوم بين العطلتين عطلة)، فهو نظاما متبعا عند العراقيين، وعليه نحن نتحدث عن أكثر من 150 يوم عطلة، علما ان هذه العطل لا تتضمن العطل الشخصية للمرض او السفر او الولادة.

وبحسب وزارة التخطيط العراقية يبلغ عدد الموظفين الحكوميين في العراق ما يقارب 4 مليون موظف، وسجل العام الماضي والذي قبله 50 عطلة رسمية في العراق أعلنتها الحكومة، بينها 32 يوم عطلة لمناسبات دينية، وأخرى تعرف بالتوافقية، حيث تقوم الحكومة بإعلان عطلة العيدين أسبوعا كاملا ليتماشى مع الطائفتين ورؤيتهما للهلال، وأخرى بسبب التفجيرات، فضلا عن إجازات تعلنها الحكومة بسبب الانتخابات، وعادة ما تكون ثلاثة إلى أربعة أيام، وتشمل انتخابات البرلمان والحكومات المحلية للمحافظات غيرها من المناسبات الرسمية وغير الرسمية. وتأسيسا لما تقدم، بسبب كثرة العطل الرسمية وغير الرسمية في العراق، تبدو البلاد شبه معطلة طيلة السنة، فالمدارس تعاني من عدم قدرتها على إكمال المناهج الدراسية، والاقتصاديون يحذرون من ركود الاقتصاد العراق.


التحليل:

مما لا شك فيه أن كثرة العطل الرسمية وغير الرسمية تؤدي الى عدم تقديم الخدمات الحكومية بشكل منتظم ؛ ويربك العمل ويخلق حالة من الزخم على ايام الدوام الاعتيادي ، ويحمل التكاليف الثابتة على عدد ايام العمل الفعلي، بالإضافة إلى أنها تؤدي الى ارتفاع التكلفة لليوم الواحد ونحن اليوم بأمس الحاجة لتقديم الخدمات للمواطنين وبكل الاوقات.

إن مشكلة كثرة العطل في العراق أصبحت تشكل إحدعقبات الاهدار  التي  تعاني منها البلاد، فمخاطرها وأضرارها واضحة للعيان، بل أكبر مما نتصوره بكثير، وبعد أن احتل العراق المركز الأول بين دول العالم في عدد أيام العطل، اذ انه يشكل استنزافا للاقتصاد العراقي، حيث تقدر خسارة البلاد حسب دراسات اقتصادية خلال 7 ايام من العطل بنحو 30 مليون دولار.

ورغم كل الأضرار التي تتسبب بها هذه العطل على مجمل الأنشطة في البلاد، فلا يبدو أن الحكومات العراقية جادة في إيجاد الحلول. إذ يبدو أن موضوع العطل دخل هو الآخر في مجال المحاصصة الذي يتسم به مسار العملية السياسية في البلاد، فكل دين وطائفة وقومية وأقلية تعمل على إدراج مناسباتها كعطل رسمية.

ووفقا لما تقدم، نقترح على  الجهات التنفيذية والتشريعية ابضرورة إصدار قانون جديد للعطل الرسمية والعمل على تطبيقه في كافة أنحاء البلاد ليكفل ترشيد العطل والقضاء على العشوائية والفوضى السائدة في هذا المجال. وبالتأكيد فإن هناك إمكانية لتقليص عدد الاجازات ولا بد من خوض نقاش صريح وواسع حول معنى وجدوى كثرة العطل   التي تكلف العراق مبالغ كبيرة يخسرها نتيجة لغياب القدرة التشغيلية الحكوميةو القطاع الخاص 


المصدر صقر للدراسات


تعليقات

أحدث أقدم