الحوار الإسلامي الإسلامي دعوة ربانية ومنهج رسالي

مشاهدات



*العلامة السيد محمد علي الحسيني


 إن الله-عزوجل-بعث رسوله محمّدا صلى الله عليه واله وصحبه وسلم رحمة للعالمين وإلى الناس أجمعين لهدايتهم وإرشادهم وكل هذا لم يعرف في البداية إلا بالعقل ثم أيده الشرع من خلال آيات الله، فقد تكرّرت الآيات القرآنية التي تأمر الإنسان باستعمال عقله والاستفادة منه، فنددت كثير منها بأولئك الذين تركوا عقولهم جانباً؛ فجاء في القرآن الكريم:{أفلا يعقلون؟أفلا يشعرون؟أفلا يتدبرون؟}.

إخواني! إن الله-سبحانه وتعالى-هدانا بنبيه ومنحنا العقول لنفهم هذه الرسالة الإسلامية السمحاء، الجامعة والمانعة، حيث أمر رسوله الكريم أن يحاور أهل الكتاب على أساس الجامع المشترك وانطلاقا من الحجة العقلية والبرهان، فقال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله :

{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }.

وتتابعت الآيات القرآنية في مواضع كثيرة يأمر فيها الله رسوله بحوار أهل الكتاب..

وأجاب النبي العربي{ص}أمر ربه فحاور وناقش وسمع آراء أهل الكتاب وأدلى بحججه، بالمقابل سمح لهم بإدلاء حججهم.

 

*الحوار البناء الحقيقي قائم على العقل وإعمال الفكر 


بعد هذه المقدمة التي هي نقطة من بحر نقول: لقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }.

فما علينا إلا أن نتأسى بنبينا ونتمسك بالحوار المبنيّ على العقل وإعمال الفكر الهادف إلى غلبة الحق وانهيار الباطل.

لقد حاور النبيّ أهل الكتاب بأسلوب راق جدا وفق المنطق والمعرفة وبالدليل الذي لا يجعل للشك مكانا، فيجعل من الحوار رحلةً في اكتشاف الحقيقة، وليس حلبة للصراع، وشتان بين بين المنهج الرسالي الذي اتبعه نبينا صلى الله عليه واله وصحبه وسلم وبين ما نقوم به نحن الآن، لأننا بعيدون عن حوار أنفسنا مع بعضنا البعض، لذلك مطلوب منا أن نبدأ بالحوار الإسلامي الإسلامي، ونبحث عن مواقع اللقاء، حيث يكون الحوار حركةً من أجل السير في اكتشاف الحقيقة، لا عملية مغالبةٍ بين هذا وذاك لتسجيل النقاط،

ولابد أن نحكم كتاب الله وسنة نبيه في أمورنا ونفعل المتفق عليه ونكون كما أراد لنا الله أمة واحدة مجتمعة على الدين القويم ورسوله الأمين.

وأي فارق بين المذهبين الإسلاميين؟وهل هذه الفوارق البسيطة التي لاتخدش الشريعة تستحق منّا الصراع والقتال وأن تفتك فئة بفئة فتتشرذم أمة بأكملها؟

 

*العيش في فتن التاريخ ابتعاد عن جوهر رسالة الإسلام 


إن إغراقنا أو استغراقنا في التاريخ السلبي واستجلاب الفتن التي لم يكن أحدٌ من المسلمين في الزمن المعاصر طرفاً فيها؛ يعني استمرار الابتعاد عن جوهر الرسالة ومخالفة لطاعة الله ورسوله في الانقسام وبقاء نار الفتنة، لذا يجب علينا أن لا نعيش في التاريخ السلبي للأمة، إنما المطلوب منا أخذ العبرة والدرس، عملا بقول الله سبحانه وتعالى {تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، فالإسلام الرحب الذي يمكن أن يعيشه المسلمون هو الذي يكون على أساس كتاب الله وسنة نبيه، لأن الله سبحانه وتعالى قال للمسلمين جميعاً: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ}. ودعا المسلمين إذا اختلفوا في أي شأنٍ من شؤونهم بقوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ}.

 

* نار الانقسام تهدد الشيعة والسنة على حد سواء ولا نجاة إلا بالوحدة والاعتصام بحبل الله المتين 


إخواني!وفي هذا المقال أخاطبكم جميعاً،إذا أردتم الأدلة العقلية على قوة الأخوة إذا اجتمعوا وضعفهم إذا تفرقوا فما أكثرها، وليعمل أيّ منّا فكره دقائق ليدرك حاجته وحاجة من ينتمي إليه إلى الفئة الأخرى من أمته لنقوى جميعاً، ولنحذر التفتت والتشرذم لئلا نفشل وتذهب ريحنا ويسخر منّا أعداؤنا.

إخواني: سنةً وشيعةً إني أرى تحت الرماد وميض نار يوشك أن يتأجج ويحرق الأخضر واليابس،

والخلاص من هذا البلاء الجارف يكون عبر تمسكنا بوحدتنا على أن نحفظ لإخواننا في الأمة والوطن حقوقهم ونتعاون معهم،فإن انتصارنا انتصار للأمة، وتمزقنا تمزق لهذه الأمة.

 

*الحوار الإسلامي الإسلامي السبيل لتقريب المسافات وتخفيف الاحتقان لما فيه مصلحة الأمة


وأخيراً لا تنسوا يا إخوتي وأحبائي من السنّة والشيعة أن تتمسكوا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وثقوا أن معكم أمة تشد أزركم لا ترضى بتحطم بلدكم ولا تقبل تفرقكم..

أمة تشدّ على أيديكم وأنتم تعملون بأوامر الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله وصحبه وسلم وتضطر إذا لم تحافظوا على وحدتكم التي فيها مصلحتكم أن تشهد الله عليكم قائلة:اللهم فاشهد.

إخواني حافظوا على رضا الله ورضا أولي الأمر من هذه الأمة الممتدة من المحيط إلى الخليج لتكون معكم، ولا تنسوا أن القوّة أصناف وأهمها وأعملها القّوة الفكرية العقلية فتمسكوا بها ولتكن رائدكم، ولنشهد على من مشى على الطريق المستقيم ونحاول إرشاد من سار في طريق الخطأ،ونمسك بيده حتى يعود إلى الصواب.

ومن موقعنا الإسلامي وانطلاقا من قوله تعالى :(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ندعو أصحاب الفضيلة والمعالي من مفتين ووزراء العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية في الدول الإسلامية ونتوجه إلى العلماء والعقلاء والمفكرين والصلحاء والنخبة في هذه الأمة لإقامة مؤتمر للحوار{الإسلامي الإسلامي} كوسيلة للوصول إلى النتائج الإيجابية، نفعل فيه المتفق والمجمع عليه بين الأمة، ونقرب المسافات ونفتح طريقا للحوار المباشر والشفاف والصريح ونخفف الاحتقان ونحقق أهداف ما ذكرناه امتثالا للأوامر الإلهية والسنة النبوية الشريفة وما فيه خير وصلاح ومصلحة الأمة الإسلامية،{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون }.


الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان

تعليقات

أحدث أقدم