بيروت - عادت الخصومة القديمة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية لتلقي بظلالها القاتمة على مسيحيي لبنان، وتجدد المخاوف من حدوث اضطرابات في وقت تواجه فيه البلاد صعوبات جمة لمعالجة أسوأ أزمة تمر بها منذ الحرب الأهلية (1975- 1990).
ولم تكن الخلافات بين التيارين المارونيين بعيدة أبدا عن السطح على مدى العقود الثلاثة الماضية وإن حصلت بعض الاختراقات بينها (اتفاق معراب) فهي لم تكن سوى من باب المناورات السياسية بينهما.
وأدت المشاحنات بين أنصار الرئيس ميشال عون من التيار الوطني الحر ومؤيدي حزب القوات بزعامة سمير جعجع في الفترة الأخيرة إلى مواجهة شابها التوتر هذا الأسبوع قرب بيروت دوت خلالها الأعيرة النارية دون وقوع إصابات.
وتضاربت الأنباء عمن أطلق أعيرة نارية في الهواء لكن أنصارا للجانبين، بعضهم ولد بعد الحرب الأهلية، قالوا إن الأحداث التي وقعت كانت بمثابة تذكرة بالعداوة القديمة، وهي إحدى الانقسامات العديدة في النظام الطائفي الذي يواجه ضغوطا جديدة حاليا وسط انهيار اقتصادي.
ويتمحور الخلاف اليوم بين التيارين حول ما يتخطى المشهد السياسي المسيحي في البلاد، فالرئيس عون متحالف مع حزب الله الشيعي المسلح والمدعوم من إيران، أما جعجع فيتزعم التيار المعارض لحزب الله ويقول إن عليه تسليم أسلحته، وفرض سيادة لبنان.
وقال إلياس الزغبي، وهو عضو في التيار الوطني الحر، "هناك حرية رأي وهناك حرية تعبير.. لكن يقربوا على مركزية التيار ما بيقدروا.. الاعتداء على شباب التيار ممنوع… فيه حدود.. أكثر من هيك ممنوع يتجاوزوها.. هون (هنا) فيه خط أحمر".
وأضاف أن مجموعة من أنصار القوات اللبنانية التي تلوح بالرايات تحركت بالسيارات صوب مقر حزبه وهو ما اعتبره تصرفا استفزازيا.
ونفى توني بدر، وهو ناشط في القوات اللبنانية، رواية التيار الوطني الحر قائلا "إحنا راح نتواجه بالسياسة أكيد… إذا كان الفريق الآخر يقبل يواجهنا بالسياسة كان به.. الانتخابات بتكون الحكم ..أما لو بدو ياخذ الأمور على الشارع إحنا بنتمنى عليه يتذكر الماضي كله ويشوف إن ما حدا بده يربح بلعبة الشارع".
وتلك الأزمة هي الأحدث في بلد شهد أعمال عنف متقطعة، لكنها شهدت تصاعدا مع ترسخ الأزمة الاقتصادية التي بدأت العام الماضي.
وفاقم الانفجار الضخم الذي شهده مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الماضي الأزمة والاحتقان. واضطرت حكومة حسان دياب إلى الاستقالة بعد يومان من وقوعه، وتبدو القوى السياسية مصرة على التمسك بقواعد التشكيل القديمة الأمر الذي يعرقل الجهود الفرنسية لتأليف حكومة جديدة برئاسة مصطفي أديب.
وحذر مهند حاج علي من مركز كارنيجي للشرق الأوسط من أن “الموقف الأمني قد يصل إلى نقطة الانهيار"، في ظل حالة الكباش السياسي.
ونشرت السلطات اللبنانية أفرادا من قوات الأمن لتهدئة المواجهة التي وقعت يوم الاثنين والتي بدأت على إثر مرور موكب من أنصار جعجع في سيارات ودراجات نارية يلوحون برايات حزب القوات اللبنانية هاتفين بأغنيات للحزب قرب مقر للتيار الوطني الحر.
وكان أنصار جعجع يحيون ذكرى اغتيال بشير الجميل عام 1982 مؤسس حزبهم الذي بدأ كميليشيات مسلحة. لكن مسؤولين من حزب القوات اللبنانية يقولون إن أنصارهم لم يكونوا مسلحين وكانوا يمرون فحسب قرب مكاتب التيار عندما أطلق الجانب الآخر النار.
ويزعم مسؤولون من التيار الوطني الحر أن أنصار حزب القوات اللبنانية كانوا يهددون بشن هجوم وأن إطلاق النار في الهواء جاء من قوات الأمن. وجرى نزع سلاح القوات اللبنانية في نهاية الحرب الأهلية.
وقال الجيش إن أعيرة نارية أطلقت في الهواء دون أن يحدد من أطلقها، وأضاف أن أنصار حزب القوات اللبنانية رشقوا مكاتب التيار الوطني الحر بالحجارة.
وأظهر تسجيل فيديو رجالا وهم يطلقون النار في الهواء من أسلحة رشاشة وأظهر فيديو آخر ملثمين وهم يحرقون راية حزب القوات اللبنانية. وقال الصحافي البارز نبيل بومنصف “أصبح من الواضح أن الشارع يغلي من جديد بينهما".
ودعا الجانبان إلى ضبط النفس، بينما اتهم كل منهما الآخر بالتصرف مثل الميليشيا. أما جعجع، الذي قاد ميليشيات القوات اللبنانية وقت الحرب وعون الذي قاد الجيش في نهايتها لم يصدر عنهما أي تعليق.
وبعد الحرب، جرى إجبار الزعيمين على اعتزال الحياة السياسية مع هيمنة سوريا المجاورة على مجريات الأمور في لبنان. ودخل جعجع السجن، بينما ذهب عون للمنفى في فرنسا. وعاد كلاهما للمشهد السياسي في عام 2005 إثر انسحاب القوات السورية من لبنان.
وأصبح جعجع أكثر انتقادا لطريقة التيار الوطني الحر في الحكم منذ انفجار مرفأ بيروت الشهر الماضي. كما أدلى البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، صاحب النفوذ كزعيم أكبر مجتمع مسيحي في لبنان، برأيه ودعا إلى تغيير في طريقة حكم البلاد. وعون وجعجع كلاهما من الموارنة.
وكانت أحداث يوم الاثنين من بين عدة وقائع أججت التوتر في البلاد. وقام مناصرون وعناصر من شباب القوات اللبنانية بعروض عسكرية في أحداث تابعة للحزب. وقامت مجموعة من نحو 20 مناصرا للحزب، يرتدون زيا أسود، بالسير فيما يشبه العرض العسكري عبر حي مسيحي في العاصمة بيروت هذا الأسبوع.
ويقول أعضاء في التيار الوطني الحر إن تلك تعد استعراضات استفزازية للقوة. أما حزب القوات اللبنانية فيقول إن مثل تلك العروض روتينية وإن انتقادات التيار الوطني الحر ما هي إلا محاولة لإخفاء إخفاقه السياسي.
إرسال تعليق