من بيت بنيه يُضرَب

مشاهدات



فؤاد مطر


وحده لبنان دون سائر شقيقاته الدول العربية، وبإستثناء تونس، بعدما إرتدت ثوب الحرَاك الحزبي الذي أفرزه “الربيع العربي”، يقاسي في موضوع من المستهجَن هذه المقاساة منه، وهو موضوع تشكيل حكومة تدير شؤون الناس وبما يفرضه الواجب على المسؤول تجاه المواطن.

في الدول العربية المستقرة والتي تتوزع فيها الرئاسات وفق الدستور، يتم على قاعدة الإستنساب وبما من شأن من يتم إسناد رئاسة الحكومة إليه إختيار الشخص المناسب لكي يمارس الواجب من المكان المناسب الذي هو رئاسة الحكومة. ولم يحدث أن كان هذا المتربع على كرسي رئاسة الحكومة موضع خلاف حوله، ذلك أن إختياره لم يتم على قاعدة شأنه السياسي أو الحزبي وإنما لأنه كفوء ولأن ماضيه خال من الشوائب الشخصية والعامة إلى جانب أن هذا الماضي مكلل بكفاءة عالية وخبرة في حقل أو حقول تحتاج شؤون الوطن والمواطنين إلى توظيفها من أجْل إيجاد علاج لمعوقات أو من أجْل ما تسمى بالخطة خمسية أو خلاف ذلك.

يضع رئيس الدولة أمامه، ونأخذ هنا كمثال الدولة الجمهورية المستقرة مصر، ملفات بالوقائع والأرقام والمشاكل المستعصية والخطط المتعثرة التنفيذ ويستخلص منها ما يفرض عليه إختيار من يراه مؤهلاً لمعالجة ما إنتهى إليه إطلاعه على تلك الملفات. ومن بين بضعة أسماء لذوي كفاءات يختار متأنياً من هو هو جدير بتحقيق الإصلاح المنشود وإنقاذ المتعثر والعسير من الخطط. يتشاور معه. يستمع إليه أكثر مما يحدِّثه. وفي حال رأى في ما قاله أنه هو المؤهل لتسلُّم رئاسة الحكومة يخلو إلى المزيد من التأمل، ثم بعد ذلك تأتي التسمية تسبقها إشارات في الوسائل الإعلامية إلى أن هنالك حكومة جديدة على الطريق.

اختيار مكلف

تتشكل الحكومة. كيف؟ يختار المكلف الوزراء الذين هم من الكفاءة والسمعة الشخصية المنزهة عن كل ما هو مسيء. وبطبيعة الحال فإن الولاء للوطن أمر محسوم في من سيُسند إليه منصب وزاري.

لقد تُرك أمر الإختيار لمَن يترأس وهذا حق طبيعي. ويبقى الحق الطبيعي الآخر لرئيس الدولة بمعنى هل لديه رأي في هذا الوزير أو تحفُّظ على ذاك.. وهكذا.

على بركة الله تبدأ الحكومة الجديدة وقد نالت ثقة رئيس الدولة، تأدية الواجب بأمل نيْل ثقة المواطن. لا يد فوق الحكومة ما دامت تسلك الصراط المستقيم. في حال حدث تقصير من وزير يتم لفت إنتباهه. وفي حال حدثت كارثة صحية أو سقطة تعليمية أو حتى حادثة قطار تَسبب سائقه المتعاطي في سقوط قتلى وجرحى، يصار إلى تعيين وزير مكان الوزير الذي إرتبطت مسؤوليته الوزارية بتلك الكارثة أو السقطة أو الحادثة القطارية. هذا نوع من الإقرار تجاه الرأي العام بالخطأ، وإستبدال الوزير بآخر هو نوع من إعتذار الحكومة من المواطنين. فما دامت الحكومة في نهاية الأمر هي من أجْلهم لذا من حقهم إما إطلاق صرخة إحتجاج وإما أن يتم إستباق الصرخة تلك بتغيير الوزير المختص.

ليس أمام الحكومة سنوات لكي تؤكد أحقيتها في البقاء. في حال أوجب العمل تعديلاً وزارياً يتم ذلك. في حال لم يحقق التعديل الغرض يصبح من حق مشروع للمواطن على رئيس الدولة الذي إختار أن يتيح الفرصة أمام تجربة جديدة تستفيد من إنجازات في تجربة الحكومة المنصرفة بحيث تزيدها إنجازاً، وتتفادى إخفاقات كتلك التي حدثت مع سابقتها.

هنا المواطن في غاية الطمأنينة.

حكومة تصريف

ليس هنالك فراغ في الدولة. كما ليس هنالك بدعة حكومة تصريف أعمال كتلك التي يعيشها لبنان المبتلى بجائحة عُسْر التأليف الحكومي، والتباهي في الوقت نفسه أن اللعبة الديمقراطية تفرض ذلك، مع أن هذه ليست لعبة وليست ديمقراطية وإنما هو ملعوب تمارسه ديكتاتورية تركيبة سياسية حدثت في غفلة عربية ودولية عما يجري في لبنان وبذلك نشأت ظاهرة حلف شيعي بنسبة عالية-ماروني بنسبة متوسطة حلف غير لبناني التركيبة والجوهر والغرض والنوايا المبيتة، يمعن إذلالاً للشعب، وفي الوقت نفسه مصادرة حقه الذي هو حكومة تدير شؤونه وتعالج باليسر ذلك العسر الذي بلغ مداه. وهذا خلاف ما أشرنا إليه في طريقة تشكيل الحكومة والواجب الملقى على رئيس الدولة في هذا الشأن.

في ظل المجادلات التي تأخذ طابع التعطيل والتسويف والتلفظ بمفردات مدعاة للإستغراب مثل الميثاقية، يتراجع لبنان خطوات سريعة في إتجاه إنتقاله من الدولة الحضارية المواكبة للعصر إلى مجتمع الدولة المتخلفة المحكومة ببدعة المذهبية المسلحة شريكة للمذهبية التي تبيع وتشتري تعلي صوت الإحتجاج وتصمت ما يقرب من البكم. وبدل أن تكون هنالك صحوة وبعض التأمل في أحوال الشقيقات العربيات وكيف أن تأليف الحكومات حق مشروع للمواطن يبلوره رئيس الدولة وبذلك يأخذ الاستقرار طريقه، فإن التعطيل في الشأن الحكومي بات سلاحاً فوق الأرض مثل أكوام السلاح المودعة في دهاليز تحت الأرض وربما يتم إخراجها عندما تتساقط التجربة الحكومية. وبتساقطها هذه المرة تطوى صفحة لبنان الوطن.. الذي من بيت بعض أبنائه غير البررة يُضرب. ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.

تعليقات

أحدث أقدم