ما الذي نعرفه عن السودان

مشاهدات



فاروق يوسف


عسكر السودان المغادرون يضعونه على سكة العودة إلى أن يكون دولة مدنية. ذلك إنجاز عظيم ينبغي الاحتفاء به والثناء عليه.

البرهان يراهن على السلام ويدير ظهره للحرب

عبر العقود الماضية كان السودان دولة منسية. ما الذي يعنيه أن يُذكر اسمه مقرونا بمجازر دارفور أو يتم تداول اسم رئيسه في كواليس المحكمة الجنائية الدولية؟

لا شيء سوى أن سلة الغذاء التي أُفرغت وصارت خاوية تحولت لعقود إلى ملاذ للإرهابيين. سيُقال إن بن لادن كان هناك وستُذكر عملية تفجير السفارة الأميركية في نيروبي التي انطلق منفذوها من الخرطوم.

كان السودان محاصرا بين كتلتين تتسابقان في إبراز عدائهما لقيم التطور والحداثة والعدالة الإنسانية. كتلة الحكم التي يتزعمها عمر حسن البشير وكتلة المعارضة التي يتزعمها الصادق المهدي. وكلتاهما كتلتان إخوانيتان.

لقد لعب حسن الترابي دورا خطيرا في إضفاء الشرعية الشعبية على استيلاء البشير على السلطة بعد أن حاول عبدالرحمن سوار الذهب أن ينهي حقبة جعفر النميري التي تميزت بالاستبداد الأعمى القائم على مزاج شخصي، غير أن انقلاب البشير الذي باركه الترابي دفع بالأوضاع نحو الأسوأ.

رقص البشير بعصاه على جثث ضحايا دارفور وعددهم يفوق عدد من يسقطون في الحروب الكبرى. لم يدافع عن نفسه بل قدم جنوب البلاد فدى لبقائه في السلطة. وهو ما لم ينفعه بل أضاف إلى سجله جريمة وطنية جديدة. ولو لم يُعقد اتفاق جوبا بين الحكومة السودانية الجديدة وحكومة جنوب السودان لاستمرت الحرب بين الطرفين إلى ما لا نهاية لأسباب قد لا يفهمها أحد.

لقد بُح صوت البشير وهو يلقي خطاباته التهريجية أمام أعوانه مدافعا عن السيادة الوطنية التي كانت المحكمة الجنائية قد اخترقتها حين طلبت استدعاءه باعتباره مجرم حرب وهو ما جعله محروما من السفر إلى الخارج خوفا من أن يتم تسليمه إلى تلك المحكمة.

البشير سقط وانتهت حقبته غير أن العسكر مازالوا مصرين على البقاء في الواجهة ذلك لأنهم يعتقدون أن دولة حكمها العسكر نصف قرن لا يمكن أن تنتقل إلى الحكم المدني

الآن يقيم البشير في السجن وكان الترابي قد سبقه إلى السجن ومن ثم المنفى في الدوحة حيث مات هناك. سقط البشير وانتهت حقبته غير أن العسكر مازالوا مصرين على البقاء في الواجهة. ذلك لأنهم يعتقدون أن دولة حكمها العسكر نصف قرن لا يمكن أن تنتقل إلى الحكم المدني ولكنها يمكن أن تتحرر من وصاية الإسلاميين.

ذلك ما فعلته الحكومة الجديدة حين جرمت التكفير وألغت مادة الردة من القانون. كان ذلك في سياق منع التيار الديني من القيام بمهمات سياسية. وهو قرار لم يكن من اليسير اتخاذه في السودان لولا تطور الوعي المدني لدى عامة الشعب وامتناع المعارضة عن الاحتجاج بسبب ما يواجهه السودان من ضغوط دولية تحتم عليه التحول إلى دولة مدنية وإلا ستكون العقوبات أشد.

كانت المعارضة جزءا من القوى التي صنعت التغيير لذلك قررت ألا تتخلف عن الركب. ولكن كم فاجأنا أن نعرف أن الدولة التي أدارها العسكر لعقود كانت في حقيقتها دولة دينية.

كان إسلاميو البشير يديرون دولته فيما كانت عصاباته ترتكب الجرائم التي ستقوده في ما بعد إلى المحكمة الجنائية الدولية التي لم تستلمه بعد.

كان السودان غائبا ومغيبا وراء نسيج عسكري إسلامي استطاع الإخوان المسلمون أن يصنعوا منه شبكة غيبت دولة كبيرة لتكون بؤرة تأوي إليها جماعاتهم الإرهابية وينطلقون منها لتنفيذ عملياتهم الإرهابية.

بدلا من الغذاء امتلأت سلة السودان إرهابيين.

أرى عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي وهو يلقي خطابه فأشعر أن هناك شيئا مختلفا. فالرجل لا يرقص حاملا عصاه مذعورا وهو يخاطب جمهوره. إنه يقول كلاما في السياسة. وهو كلام واقعي يراهن على السلام ويدير ظهره للحرب.

عسكر السودان المغادرون يضعونه على سكة العودة إلى أن يكون دولة مدنية. ذلك إنجاز عظيم ينبغي الاحتفاء به والثناء عليه.

تعليقات

أحدث أقدم