بندر عباس (إيران)- أنهت الفرقة أداءها الغنائي لتقابل بالتحية وقوفا وبالتصفيق من الرجال الحاضرين، والصيحات المشجعة من السيدات في الصالة.. مشهد قد يكون تقليديا في كل مكان، لكنه غير مألوف في إيران، لاسيما لفرقة تتألف من أربع نساء.
وقال ساسان حيدري لزوجته نيغين (36 عاما)، وهي واحدة من أربع موسيقيات يؤلفن فرقة “دينكو”، في ختام الأمسية التي أقيمت في مدينة بندر عباس على الساحل الجنوبي لإيران، “كنت سعيدا جدا بتواجدي هنا وتمكني من رؤيتك”.
ولم تتح لحيدري قبل هذا الحفل رؤية شريكة حياته تؤدي على مسرح، نظرا للقيود والتقاليد الدينية في إيران التي تحدّ بشكل كبير من إمكانات تقديم أداء غنائي نسائي في مكان عام.
وأوضحت سحر طاعتي، المديرة السابقة لقسم الموسيقى في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية، أن نصوص القوانين المحلية لا تمنع النساء بالمطلق من الغناء أمام جمهور مختلط.
لكنها تشير إلى أن غالبية رجال الدين يحرّمون الأداء الغنائي للنساء. وتضاف إلى ذلك النظرة السلبية عموما تجاه الموسيقى والخشية من أن تبعد المؤمنين عن أداء واجباتهم الدينية.
ومنعت السلطات الإيرانية النشاطات الموسيقية بعد الثورة الإسلامية في العام 1979، قبل أن يتم في مراحل لاحقة تخفيف هذا الحظر بشكل تدريجي، وبنسب متفاوتة في فترات مختلفة.
لكن هذه القيود لم يتم رفعها بالكامل: فإقامة أي أمسية موسيقية ترتبط بنيل موافقة مسبقة من وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي. ولا يزال من شبه المستحيل على أي مغنية أن تقدم أداء فرديا، ما لم يكن ذلك أمام جمهور من النساء حصرا.
وأضافت طاعتي أنه “يمكن للنساء الغناء أمام جمهور مختلط في حال كانت امرأتان على الأقل تغنيان في الوقت عينه، أو في حال غنت المرأة برفقة رجل، بشرط أن يبقى صوته موازيا لصوتها أو أعلى”.
وفي مدينة بندر عباس على سواحل مضيق هرمز، بدأت رحلة فرقة “دينكو” في أواخر العام 2016. وبحسب المغنيتين مليحة شاهين زاده (34 عاما) وفايزة محسني (31 عاما)، بدأت الحكاية بنقاش على شاطئ البحر.
وقررت الشابتان اللتان تعزفان الموسيقى “بدء العزف على آلات موسيقية” تقليدية بعد ذلك النقاش. وانضمت إليهما سريعا نيغين التي نشأت معهما في الحي السكني ذاته، قبل أن تلتحق بهن نوشين يوسف زاده (26 عاما) بعد تعارف عبر تطبيق إنستغرام.
ونشأت “دينكو”، وهي مفردة تعني باللهجة المحكية لأهالي بندر عباس، الخطوات الأولى للطفل الصغير. واقتصر أداء الفرقة في المرحلة الأولى على الجمهور النسائي، قبل أن يدرك الرباعي أن الغناء بشكل جماعي سيفتح له باب تقديم أمسيات أمام جمهور مختلط.
وقالت محسني إن الغناء الجماعي لم يكن سهلا، “فهذا يعقّد الأمور بالنسبة إلينا، لأنه من الأسهل دائما على المغنية أن تركز على أدائها، بينما تقوم الأخريات بالعزف والتركيز على آلاتهن الموسيقية”.
وفي العام الماضي، تقدّمت الفرقة بطلب للمشاركة في “المهرجان الدولي لموسيقى الخليج الفارسي” بعدما علمن بأنه سيقام في مدينتهن في أبريل 2019. أتى الرد الإيجابي قبل أيام فقط من الموعد المحدد للمهرجان.
وعلى المسرح في تلك الأمسية، وضعت الموسيقيات كل طاقتهن في تقديم برنامج من الموسيقى البندرية (نسبة إلى جنوب إيران)، بإيقاعات سريعة ترافق كلمات أغنيات شعبية تم تناقلها من جيل إلى آخر.
وفي ختام الأمسية، اختصرت نوشين شعورها بالقول “أحسسنا، وأخيرا، بأن جزءا جديدا من المجتمع لاحظ وجودنا”.
وإضافة إلى الصعوبات التقليدية، جمّد تفشي فايروس كورونا نشاط الفرقة إلى حد كبير. وتقول مليحة “فترة الحجر كانت بالنسبة إلي فرصة لإجراء بحوث حول موسيقى منطقتنا وأيضا تحسين تقنية العزف حتى الآن، يقتصر ما نقوم به على استعادة مقطوعات من التراث الفولكلوري البندري، لكن بدأنا بالتفكير بتأليف مقطوعات أصلية”.
إرسال تعليق