الدرّاجة

مشاهدات




فائزه محمد علي فدعم


انتدبت وزارة المعارف العراقية في الخمسينيات مدرسين من دولة مصر العربية وفي نفس السنة جاءت شركة اجنبية لأكمال الجسر الذي يصل بين بعقوبة الجديدة والقديمة وكنا نذهب مع الجيران لنتفرج عليهم عصرا عندما يرحل العمال للاستراحة ... كان الجسر عاليا جدا وتحته هوّة سحيقة اصبحت متنزه . وجاء احد المدرسين المنتدبين وسكن مقابل الشارع الذي نسكن فيه ٠ بيت المدرس الان (صيرفة وشركة الندى الآن ) كانت له ابنة في مثل عمري اسمها (نونه ) ومدير الشركة الاجنبية له بنت اسمها (انجليكا ) ندعوها نحن (الانكلكا) وكانت (نونه) تجلس على عتبة الباب كأنها صنم لايتحرك اردت صداقتها فلم تأبه وكان في ذلك الوقت قبل تعديل خريسان بفترة ليست بالقصيرة توجد (مزلقينه)مزلقة كبيرة جدا في وسط حديقة تمتد من القنطرة ... الآن تؤدي الى بيت السيد عبد الكريم المدني بداية ونهاية الحديقة كانت ممتدة الى قنطرة المختار الان . وهي عالية جدا لايستطيع الاطفال الصغار الصعود عليها وكانت بالنسبة لي كانها برج ايڤل ولا يجازف بذلك الا الشجعان . كان الرجال عند الغروب وخلو الشارع من المارّة يصعدون خلسة حتى لايراهم احد ... وبنت المدرس الصغيرة (نونه) تجلس كعادتها عند عتبة الباب صباحا بكل شجاعة (للتباهي )


صعدت الدرج للتزحلق وجذب ذلك انتباهها وانا عندما أذكر هذا الموقف حتى الان يُصيبني الرعب ونزلت على المزلقة ونزلت روحي معها من الخوف حتى وطأة قدماي الارض ولم استطع الوقوف ... جلست للراحة وابتسمت ببلاهة ودخلت الدار . وفي صباح اليوم التالي كان يأتي عامل النظافة على (حمار) فوقه سابل من الخوص لرفع النفايات فكنت ارشيه بعشرة فلوس وشكرلمه ام اللوز . كان والدي يجلبها من بغداد من ( حلويات السيد السامرائي ) ويقوم برمي السابل على الأرض ويجلس القرفصاء ويبدأ بأكلها واقوم انا بركوب الحمار وبمساعدة الخالة خماّسة التي كانت خبازّة في دارنا فقد بنى الوالد لها حجرة في (بقچة) الدار لسنين عديدة ( بقجة . هي بستان صغيرة ) وتراني نونه ولا جدوى ولكن لا يأس مع الحياة فقد خطرت لي فكرة جهنمية نفذتها فوراّ وقلت لوالدي اشتري لي عجلة (بايسكل) فصعق وقال إبنتي (عيب ) الدراجة لايستعملها البنات في بعقوبة ...


وثلاثة ايام بين بكاء وتوسل او اضراب عن الطعام واخرى اعتصام فوق سطح الدار تحت الشمس واخيرا رضخ لطلبي بعد عناء شديد وجاءت الدراجة التي كانت ( ماركة دنلوب) كنت اول فتاة في بعقوبة تركب الدراجة وبعد فترة اشترت صديقتي دلال صلاح ايضا وصرنا اثنتان . اذكر دلال وشعرها الاحمر ودارهم الذي كان في دربونة (اورزدي باگ) بالضبط مقابل السيد رباح السعدي وبجانب التجهيزات الطبية الان . عندما كنت امرُّ بالشارع الذي تسكن فيه (نونه) كانت ترمقني بنظرات جامدة فيها بعض اللين وأدخل لفترة قصيرة الى الدار وعندما اخرج تبدأ مشاكسة الاطفال الاخرين معي وخصوصا الاولاد (فش التاير او تقبه بالمخيط او رمي العجلة ارضا واحيانا وضع الطين على المقعد وكسر الجرس ووووو ) كانت والدتي تضع في مقدمة الدراجة (دهاشه ) ام سبع عيون خوفا من الحسد وعندما كنت اخرج مسرعة بالعجلة كانت ترقيني رقية اهل بعقوبة الاصلاء ...


(ياعوينه جنبّي والمراغز والأبر بعين كلمن افتكر ) وبعد الجهد والعناء والعذاب اصبحنا صديقتين وكنت لااعرف اللهجة المصرية وهي لاتعرف اللهجة العراقية ولكننا نلعب معا (الصگله والختيلة والجميدة والغميضة وبيت ابو بيوت وجر الحبل ولعبة الحبل والتوكي وطم خريزه )


كانت والدتي لاتخاف عليّ من السيارات لانها قليلة بل من العربات التي تجرها الخيول اما بالنسبة للفتاة الاجنبية ( الانكلكا ) فقد فازت بصداقتها الست فائقة شياع (ام عمار ) ولحد الان كلما نتقابل سوية نضحك ونذكر الماضي .


رحلوا ورحلت احلامنا معهم ..

تعليقات

أحدث أقدم