مشاهدات
د . ضرغام الدباغ
كان النقيب رشيد صالح الضابط في صنف الهندسة في الجيش قد أخبرني ذات أمسية وكنا عملنا لبضعة أشهر معاً في ناحية التون كوبري هو كآمر رعيل مدرعات / هندسة وأنا كأمر فصيل مشاة (برتبة ملازم) لحماية الناحية ذات الموقع الاستراتيجي وحماية طريق المواصلات الهام التي يمر عبر البلدة. والنقيب رشيد (العقيد فيما بعد) مثقف بدرجة عالية وضابط كفوء أجرى دورة الهندسة الأساسية في بريطانيا ولذلك فهو يتقن اللغة الإنكليزية إتقان تام أهله لأن يترجم منها بضعة كتب. لذلك فألأمسيات الطويلة لم تكن تقطع إلا بمحاولاتهما لإضفاء حياة ذات طابع ثقافي على الحياة الجافة للغاية في الموقع.
والتقاليد العسكرية تستبعد إقامة علاقة صداقة بين ضباط من رتب متفاوتة ولكن رشيد وجد أن مشتركات عديدة بينه وبيني كضابط برتبة ملازم سيما واننا نشترك بحماية هذا الموقع البعيد عن حياة المعسكرات وكنا نسير لساعات في البرية الخضراء ذات الزهور الجميلة والهواء الطلق يوحي بالكثير من الانفتاح والانشراح ومعنا بندقية صيد نصطاد بها الطيور..
وفي جولاتهما في الهواء والبراري الخضراء تحدثا عن مقتل الرئيس الأمريكي الشاب جون كندي وعن تركه لأرملة شابة (جاكلين) كان رشيد يلتقط الحصى من الأرض ويضرب بها صفحة النهر ويحاول أن يجعل الحصاة تتنطط أكثر من خمسة مرات فوق صفحة النهر فالتفت وقال لي ..
أنظر سوف لن يمضي وقت طويل حتى وتجد جاكلين لها عشيقاً قد يكون الحارس الشخصي لها تستبدله حين تمل منه فالحياة بالنسبة لها قد أصبحت حقلاً يانع الثمر من الجاه والمال والشهرة وفوق ذلك جمالها وتعطش لا ينتهي للحياة ..
أمعقول أن تفعل ذلك أرملة رئيس أكبر دولة في العالم ..؟
ولم لا ..؟ الرئيس مات وهو الآخر كان يبحث بين النجوم على اسطع النجمات ستجد ألف من يريدها وستتخذ من يدخل عينها وقلبها عشيقاً ولو لساعات ..
ثم مضى بحديثه ولرشيد ثقافة تاريخية / سياسية وأدبية واسعة عن سيدات شهيرات ملكات ونساء جلسن على عروش أمبراطوريات واشتهرن بقسوتهن ولكنهن كن يذبن في فراش العشق ذوباناً ولكنه قد ترفس عشيقها إن وجدت نفسها قد أخطأت في تقييمه ...!
وحدث أني التقيت رشيداً بعد أن أذيع نبأ زواج جاكلين كندي من الملياردير اليوناني أوناسيس.
ها .. قد تزوجت جاكلين أخيراً .. وودعت التقلب في فراش العشق والعشاق ...!
لا .... لم يحدث سوى أن أوناسيس نجح بأقناعها بضمها إلى مجموعة تحفه .. وهي قبلت الدعوة بجدول عمل وشروط قبل به الطرفان أن يتحمل طيشها وفواتير مشترواتها نظير أن يضم إلى حريمه أرملة رئيس جمهورية الولايات المتحدة ونظير أن تقبل هي حمل أسمه... جاكلين أوناسيس....!
كان رشيد بحكم ثقافته ورهافة مشاعره وإحساسه يبلغ أعماق الشيء ويجد له أصدق التعبيرات . كان يكبرني سناً بنحو عشرة أعوام وهي بحر تجارب واسع لرجل مثله أبكر في خوض بحار الحياة قرأ كثيراً وسافر كثيراً وبذكائه كان يراكم المعرفة والتجربة لتصقل شخصيته وهو وإن أختلفنا ربما في بعض التقييمات إلا أنني أعتبره من الشخصيات التي تركت بصماته على وعي وشخصيتي.
لم ننقطع أنا ورشيد عن اللقاء وإن لابد من القول أن الحياة في العراق بمفاجأتها تقطع الصلات والعلاقات وللأسف الأحداث التي عشتها أبعدتني عن هذا الإنسان الرائع فهو من أندر الشخصيات التي قابلتها في حياتي الحافلة بالأحداث والأشخاص وأسماء لا عد ولا حصر لها.... إلا أن لرشيد صالح العزاوي مكانة خاصة في ذكرياتي ..
إرسال تعليق