مشاهدات
د . ضرغام الدباغ
في الثلاثينات من القرن المنصرم صدر وأحد من الكتب والذي يعد من المراجع الهامة في التاريخ السياسي الحديث والكتاب هو بعنوان " النجم الأحمر فوق الصين " (Red Star over Cina) والمؤلف هو أدغار سنو (Edgar Snow) هو صحفي تقدمي أمريكي الجنسية ذهب إلى الصين أبان ثورتها الاشتراكية (المسيرة الكبرى) بقيادة الحزب الشيوعي الصيني. وهدف رحلته كانت المساهمة بتقديم خدمات وقد فعل ذلك على نحو سجلت إنجازاته تاريخياً كما أنه تمكن من إقامة صلات صداقية / كفاحية مع القيادات التاريخية الصينية وأنتج كتابه الذي أنتشر على مستوى عالمي وأرجح أن الكتاب صدر للمرة الأولى باللغة العربية في نهاية الستينات أو 1970. على أية حال قرأت الكتاب بإمعان أشبة بالدراسة عام 1971 وأعترف أنه بأسلوبه الرائع في عرض تفاصيل سياسية عن الثورة الصينية وتجاربها الثرية كان لها تأثيرها على ثقافتي السياسية آنذاك وكنا في مرحلة بعد 1967 نعيش في العراق والوطن العربي حالة ثورية فريدة.
سأتناول هنا فقرة اهتممت بها كثيراً وكنت على اطلاع حسن بالثورة الصينية وبتطورها السياسي والفكري بل وحتى على الأدب والموسيقى والمسرح الصيني إذن كانت هناك مقدمات لا بأس بها لتفهم طروحات أدغار سنو في كتابه المهم. كان الحزب الشيوعي الصيني قد تحالف في إطار تحالف جبهوي وطني مع الجنرال تشان كاي تشيك (الذي كان قائداً مهماً في الكيان السياسي المسمى: الكومنتاج) في سبيل تحرير البلاد من طغمة الأمراء والاقطاعيين العملاء للقوى الأجنبية التي كانت تتخذ من الصين ملعبا لمؤامراتها من أجل وضع الصين ومقدراتها تحت هيمنة تلك القوى الاستعمارية.
ولكن تشان كاي شيك غدر بالشيوعيين غدرا وضيعاً وعرضهم لمجازر وإبادة ليهيمن على حكم الصين كطاغية ديكتاتور ولكن الحزب الشيوعي الصيني وكان يتسيد الموقف الاجتماعي بأعتباره حزب الفقراء والكادحين والعمال والفلاحين وخاض نضالات صعبة من أجل تحقيق الحرية والاشتراكية من خلال المسيرة الكبرى عبر قلب الصين الريفي / الفلاحي.
ولكن هنا تتدخل الأحداث التاريخية من خلال العدوان الياباني الواسع واحتلال الصين ولجوء السلطة الوطنية / الديكتاتورية إلى القتال والمقاومة ضد العدوان الياباني. وهنا أصبحت هناك جبهتان تقاتلان العدو المحتل: نظام تشان كاي شيك من جهة والحزب الشيوعي الصيني من جهة أخرى. وكان هذا التمزق وإن كانت له أسبابه التاريخية إلا أنه مضر بالنضال ضد الاحتلال لذلك قامت فئة من الضباط الوطنيين في جيش السلطة بأنقلاب عسكري وضعوا فيه تشان كاي شيك رهن الاعتقال وشكلوا وفداً للتفاوض من الحزب الشيوعي من أجل توحيد الجهود لمقارعة الاحتلال الياباني وكان الشيوعيون واقعيا قد استحوذوا على المشهد السياسي والعسكري.
وهنا كانت المفاجأة الكبرى التي لم يتوقعها الضباط الانقلابيون الذي قاموا بعملهم من أجل التحالف مع الشيوعيين تفاجأوا بأن الشيوعيين يطلبون منهم ضرورة وجود تشان كاي شيك على رأس التحالف من مواجهة صينية شاملة للعدو المشترك الياباني. قابل الضباط الأنقلابيون أحد قادة الحزب "شوان لاي" الذي طفق يتحدث للأنقلابيين بلغة وطنية خالصة لا مجال فيها مطلقا للمصالح السياسية الحزبية. أذهلهم بصدقة وإخلاصة للوطن والقضية ولم يأت على ذكر كلمة واحدة المجازر التي تعرض لها الشيوعيون على أيد شان كاي شيك وزمرته وعصابات الكومنتاج.
أنتم تريدون الصين وكذلك القائد شان كاي شيك ونحن الحزب الشيوعي الصيني ... يجب أن تتحد قوانا لنثبت للشعب الصيني أولا أن حرية الصين هي الهدف الأول وسواه ثانوي ... نحن الشيوعيون نريد الصين وبدونه سيكون كل ما نفعله هراء لا معنى له ... فأين نقيم الاشتراكية والمجتمع العادل إذا كانت الصين محتلة ...؟ في الهواء لا يمكن تحقيق الثورات ... في الكتب وعلى الأوراق لن يتحقق شيئ ... كل طاقة مهما كانت صغيرة أو كبيرة يجب أنن تصب في دولاب التحرير ....
هذا ما تم وهكذا تحررت الصين وهكذا غادر المسيرة المعادون للأشتراكية هكذا أصبحت الصين اشتراكية ... بالحكمة والعقل قبل السلاح رغم توفره بكثرة بين أيديهم ... وقد أثبتوا ذلك .. أنهم قوة مسؤولة محترمة ... بعد التحرير وبعد أن أصبحت الصين قوة عالمية .. انتظرت مرور 100 عام حتى نفاذ اتفاقية هونغ كونغ ... لأن تعود هونغ كونغ للوطن الصيني ... والآن ربما بوسعهم أستعادة جزيرة فرموزا (تايوان) خلال ساعات ... ولكنهم على العكس يوفرون لتايوان فرصة الالتحاق بالوطن طوعاً بدون حروب ودماء وأشلاء أنها حكمة القوة وقوة الحكماء.
العقلاء والمخلصين لقضايا شعوبهم يتوسلون كل وسيلة لخدمتها أما المجانين والأغبياء فلا يستفيدون حتى من تجاربهم.
(إلى اليمن ماوتسي تونك والكاتب سنو خلال الثورة ـــ إلى اليسار اللقاء بعد النصر في السبعينات)
إرسال تعليق