مشاهدات
الكاتب والباحث السياسي
الدكتور أنمار نزار الدروبي
ترجع فكرة التكتلات الاقتصادية إلى أكثر من مائة عام، أي في ثلاثينات القرن الماضي، ففي هذه الفترة نشأ أو تكتل من هذا النوع في الولايات الألمانية قبل وحدة ألمانيا، ثم أعقبتها تكتلات أخرى مثل تكتل المستعمرات الإنكليزية مع الدولة الأم التي عُرفت باسم (سياسة التفضيل الإمبراطوري)، وكذلك تكتل فرنسا ومستعمراتها، وغير ذلك من التكتلات الأخرى. غير أن ما يميز هذه التكتلات أنها كانت محاولة لربط الدول المستعمرة بمستعمراتها، بالتالي فيمكن وصفها بأنها تكتلات إمبريالية أكثر مما هي تكتلات اقتصادية تراعي فيها مصالح جميع الأطراف. عليه فإن ظاهرة التكتلات الاقتصادية ليست بالظاهرة الجديدة، إلا أن ظهورها كتجربة اقتصادية كانت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اتخذتها مجموعة الدول المتقدمة والنامية، اشتراكية ورأسمالية، لمواجهة التحولات التي شهدها العالم في تلك الفترة، وقد ظهرت التكتلات كنتيجة للقيود المفروضة في العلاقات الدولية وكمحاولة جريئة لتحرير التجارة بين العديد من الدول. والملاحظ أن التكتلات الاقتصادية التي كان تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية القرن العشرين، أغلبها لم يحالفها النجاح فتعثرت أمام المشاكل والخلافات المتأصلة في العلاقات بين الدول. ولكن لم تقف عند حدها فتميزت بالديمومة والاستمرار في تطورها خاصة بعد اشتداد المنافسة العالمية في العقد الأخير من القرن العشرين، وأصبح من الصعب على الدول أن تدخل المنافسة منفردة فبدأت تتجمع في شكل كيانات اقتصادية، هذه الكيانات أضحت تعبر عن مطلبا دوليا مهما كنتاج لما تفرضه العولمة الاقتصادية وضرورة الاندماج في الاقتصاد العالمي. عليه سعت الدول إلى بناء تكتلات اقتصادية استعدادا للدخول في مرحلة جديدة، يحل فيها الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى محل الصراع بين القوى العسكرية على الساحة الدولية، حيث أصبحت هذه التكتلات تشكل خارطة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد أتسم النظام الدولي على مدى عدة قرون بوجود عدد من الأنظمة، منها نظام التعددية القطبية الذي أستمر إلى فترة الحرب العالمية الثانية، ثم اتبعه نظام الثنائية القطبية بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار العالم القديم، حيث ظهرت قوتان عظمتان هما، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، استطاعتا بقوتهما العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية السيطرة على العالم وعلى قسم من أوروبا الشرقية والغربية ليصبح العالم ثنائي القطبية إلى فترة الحرب الباردة. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي أصبحت الولايات المتحدة هي القوة العالمية العظمى، بقوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية من دون منافس، ليصبح العالم أحادي القطبية. وعند النظر إلى جميع تلك الأنظمة الدولية، نرى أن تصنيفها كان يعتمد بشكل أساسي على عوامل واضحة ومحددة يُمكن خلالها معرفة ماهية نوعية النظام الدولي، فالمعيار بالحكم على ماهية الأنظمة الدولية فيما سبق ارتكز على القوة العسكرية والاقتصادية، لاسيما من كان يملك الجزء الأكبر من هاتين القوتين، كانت له الأفضلية في تسلم زمام الأمور وفرض سيطرته على العالم. من ثم فإن المشهد السياسي العالمي عرف العديد من التغييرات التي أدت إلى تحول اهتمام الدول من المجال العسكري الذي كان سائدا منذ الحرب البادرة إلى التركيز أكثر على المجال الاقتصادي كقوة مرنة تمكن الدولة من زيادة قوتها وفرض مكانتها على الساحة العالمية دون اللجوء إلى العمل العسكري، فالمجال الاقتصادي بات الأنسب لتحقيق المكاسب المرجوة والانتقال من النمط التصارعي التنافسي في العلاقات الدولية إلى النمط التعاوني التكاملي. في السياق ذاته يرى العديد من المفكرين أن نظام الأحادية القطبية أصبح عاجزا عن قيادة العالم، وقد حان الوقت ليتسلم نظما جديدا زمام الأمور.
على ما تقدم نشأة فكرة بناء التكتلات الاقتصادية وميل السياسة الدولية نحو التعددية القطبية الدولية. حيث تعتبر التكتلات الاقتصادية من الآليات الهامة التي تُسهم في دفع حلقات النمو والتنمية، إضافة إلى أن الجهود والتعاون في بناء كيان اقتصادي متكامل يكون له الدور الهام في ممانعة الأزمات قبل وقوعها، بعد أن شهدت الساحة السياسية الإقليمية والدولية تسيد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار السياسي العالمي وتحديدا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار المعسكر الاشتراكي.
الجدير بالذكر أن انتشار التكتلات الاقتصادية بشكل متزايد يدفع إلى سؤال عن الدوافع والأسباب التي تؤدي الدول إلى طرح مبادرات الانخراط في مثل هذه التكتلات. وقد تنوعت أسباب قيام التكتلات ما بين أسباب اقتصادية تهدف إلى تجميع الإمكانيات الاقتصادية للدول الأعضاء وإزالة العقبات أمام انسياب حركة رؤوس الأموال والعمالة، لزيادة معدلات عوائد التجارة الخارجية التي تسهم في دفع عملية التنمية الاقتصادية، وأخرى غير اقتصادية تتمثل في نشر السلام والاستقرار وتسوية المنازعات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة العسكرية كما هو الحال في تجمع الآسيان، ومنها ما يجمع الجوانب السياسية والاقتصادية والسياسية والأمنية، كما في نموذج دول مجلس التعاون الخليجي.
إذن هناك عدة معطيات واقعية وفكرية ساهمت في فرض القوة الاقتصادية والسعي نحو تشكيل النظام العالمي مستقبلا وفق نظام التعددية القطبية وأبرزها.
1.قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، مما كان له الأثر الكبير والواضح للهيمنة الأمريكية حتى على مقررات المنظمات الدولية وتحديدا منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
2. صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية في العالم، ومن المحتمل أن تحتل الصين وتحالفها مع بعض الدول لتشكيل قطب عالمي جديد بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
3. احتمالية تفكك دول الاتحاد الأوروبي نتيجة للأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بعض دول الاتحاد، بالإضافة إلى مشكلة الهجرة غير الشرعية التي غزت أوربا في الفترة الأخيرة.
4.خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
الدكتور أنمار نزار الدروبي
ترجع فكرة التكتلات الاقتصادية إلى أكثر من مائة عام، أي في ثلاثينات القرن الماضي، ففي هذه الفترة نشأ أو تكتل من هذا النوع في الولايات الألمانية قبل وحدة ألمانيا، ثم أعقبتها تكتلات أخرى مثل تكتل المستعمرات الإنكليزية مع الدولة الأم التي عُرفت باسم (سياسة التفضيل الإمبراطوري)، وكذلك تكتل فرنسا ومستعمراتها، وغير ذلك من التكتلات الأخرى. غير أن ما يميز هذه التكتلات أنها كانت محاولة لربط الدول المستعمرة بمستعمراتها، بالتالي فيمكن وصفها بأنها تكتلات إمبريالية أكثر مما هي تكتلات اقتصادية تراعي فيها مصالح جميع الأطراف. عليه فإن ظاهرة التكتلات الاقتصادية ليست بالظاهرة الجديدة، إلا أن ظهورها كتجربة اقتصادية كانت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اتخذتها مجموعة الدول المتقدمة والنامية، اشتراكية ورأسمالية، لمواجهة التحولات التي شهدها العالم في تلك الفترة، وقد ظهرت التكتلات كنتيجة للقيود المفروضة في العلاقات الدولية وكمحاولة جريئة لتحرير التجارة بين العديد من الدول. والملاحظ أن التكتلات الاقتصادية التي كان تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية حتى نهاية القرن العشرين، أغلبها لم يحالفها النجاح فتعثرت أمام المشاكل والخلافات المتأصلة في العلاقات بين الدول. ولكن لم تقف عند حدها فتميزت بالديمومة والاستمرار في تطورها خاصة بعد اشتداد المنافسة العالمية في العقد الأخير من القرن العشرين، وأصبح من الصعب على الدول أن تدخل المنافسة منفردة فبدأت تتجمع في شكل كيانات اقتصادية، هذه الكيانات أضحت تعبر عن مطلبا دوليا مهما كنتاج لما تفرضه العولمة الاقتصادية وضرورة الاندماج في الاقتصاد العالمي. عليه سعت الدول إلى بناء تكتلات اقتصادية استعدادا للدخول في مرحلة جديدة، يحل فيها الصراع بين القوى الاقتصادية الكبرى محل الصراع بين القوى العسكرية على الساحة الدولية، حيث أصبحت هذه التكتلات تشكل خارطة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد أتسم النظام الدولي على مدى عدة قرون بوجود عدد من الأنظمة، منها نظام التعددية القطبية الذي أستمر إلى فترة الحرب العالمية الثانية، ثم اتبعه نظام الثنائية القطبية بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار العالم القديم، حيث ظهرت قوتان عظمتان هما، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، استطاعتا بقوتهما العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية السيطرة على العالم وعلى قسم من أوروبا الشرقية والغربية ليصبح العالم ثنائي القطبية إلى فترة الحرب الباردة. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي أصبحت الولايات المتحدة هي القوة العالمية العظمى، بقوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية من دون منافس، ليصبح العالم أحادي القطبية. وعند النظر إلى جميع تلك الأنظمة الدولية، نرى أن تصنيفها كان يعتمد بشكل أساسي على عوامل واضحة ومحددة يُمكن خلالها معرفة ماهية نوعية النظام الدولي، فالمعيار بالحكم على ماهية الأنظمة الدولية فيما سبق ارتكز على القوة العسكرية والاقتصادية، لاسيما من كان يملك الجزء الأكبر من هاتين القوتين، كانت له الأفضلية في تسلم زمام الأمور وفرض سيطرته على العالم. من ثم فإن المشهد السياسي العالمي عرف العديد من التغييرات التي أدت إلى تحول اهتمام الدول من المجال العسكري الذي كان سائدا منذ الحرب البادرة إلى التركيز أكثر على المجال الاقتصادي كقوة مرنة تمكن الدولة من زيادة قوتها وفرض مكانتها على الساحة العالمية دون اللجوء إلى العمل العسكري، فالمجال الاقتصادي بات الأنسب لتحقيق المكاسب المرجوة والانتقال من النمط التصارعي التنافسي في العلاقات الدولية إلى النمط التعاوني التكاملي. في السياق ذاته يرى العديد من المفكرين أن نظام الأحادية القطبية أصبح عاجزا عن قيادة العالم، وقد حان الوقت ليتسلم نظما جديدا زمام الأمور.
على ما تقدم نشأة فكرة بناء التكتلات الاقتصادية وميل السياسة الدولية نحو التعددية القطبية الدولية. حيث تعتبر التكتلات الاقتصادية من الآليات الهامة التي تُسهم في دفع حلقات النمو والتنمية، إضافة إلى أن الجهود والتعاون في بناء كيان اقتصادي متكامل يكون له الدور الهام في ممانعة الأزمات قبل وقوعها، بعد أن شهدت الساحة السياسية الإقليمية والدولية تسيد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار السياسي العالمي وتحديدا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار المعسكر الاشتراكي.
الجدير بالذكر أن انتشار التكتلات الاقتصادية بشكل متزايد يدفع إلى سؤال عن الدوافع والأسباب التي تؤدي الدول إلى طرح مبادرات الانخراط في مثل هذه التكتلات. وقد تنوعت أسباب قيام التكتلات ما بين أسباب اقتصادية تهدف إلى تجميع الإمكانيات الاقتصادية للدول الأعضاء وإزالة العقبات أمام انسياب حركة رؤوس الأموال والعمالة، لزيادة معدلات عوائد التجارة الخارجية التي تسهم في دفع عملية التنمية الاقتصادية، وأخرى غير اقتصادية تتمثل في نشر السلام والاستقرار وتسوية المنازعات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة العسكرية كما هو الحال في تجمع الآسيان، ومنها ما يجمع الجوانب السياسية والاقتصادية والسياسية والأمنية، كما في نموذج دول مجلس التعاون الخليجي.
إذن هناك عدة معطيات واقعية وفكرية ساهمت في فرض القوة الاقتصادية والسعي نحو تشكيل النظام العالمي مستقبلا وفق نظام التعددية القطبية وأبرزها.
1.قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، مما كان له الأثر الكبير والواضح للهيمنة الأمريكية حتى على مقررات المنظمات الدولية وتحديدا منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
2. صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية في العالم، ومن المحتمل أن تحتل الصين وتحالفها مع بعض الدول لتشكيل قطب عالمي جديد بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
3. احتمالية تفكك دول الاتحاد الأوروبي نتيجة للأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بعض دول الاتحاد، بالإضافة إلى مشكلة الهجرة غير الشرعية التي غزت أوربا في الفترة الأخيرة.
4.خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
إرسال تعليق