ضرغام الدباغ
لست ممن يرمون الناس جزافا بالكذب أو الغباء رغم أن بشراً من هذه الأصناف تتواجد دائما وللأسف بوفرة وتصادفني أحيانا حالات تستحق التفكير بعمق ترى لماذا ترتكب هذه القوى الكبيرة أخطاء بسيطة جداً يمكن بسهولة تلافيها لماذا تعمد جهات كبيرة يفترض أنها تقود عمليات سياسية واقتصادية كبيرة، تلجأ للكذب وأحيانا للكذب المكشوف بما لا يليق بوزنها وقيمتها، في حين يمكن تجنب الكذب مهما كانت درجة الاضطرار إليه فالكذب يفسد أي عملية مهما كانت جميلة وجذابة ويحيلها إلى ركام أسود مقزز . قرأت مرة (عام 1971) بحثا ممتازاً عن الاستراتيجية صادر عن معهد دراسات وبحوث أمريكي الجانب النظري فيه ممتاز ولكن الجانب العملياتي يحاول الباحث أن يبرر الأخطاء الاستراتيجية لمعارك وملفات خاضتها الولايات المتحدة ثبت خطأها ودفعت ثمناً باهضاً لخسارتها (الملف الفيتنامي) وبدراسة ملف النزاع الكوري (الذي أفضى إلى قيام كوريتين وما تزال بؤرة صراع ساخنة ). وكنت في تموز / 2011 قد كتبت دراسة ونشرتها تنبأت فيها أن الصين ستصبح القوة الأولى لا محالة وبدون استخدام الأسلحة النووية ولا حتى التقليدية التقدم أساسه اقتصادي/ اجتماعي وستنجح القيادة الصينية بتطبيقات خلاقة أن تتجاوز نفسها وتتمكن من نشر فلسفة سياسية / اجتماعية لتتحول البلاد بأسرها إلى ماكنة للإنتاج وتتصدر بيانات التقدم والتنمية والتقدم والإنتاج العالمي والتجارة . لم يكن اكتشافي عام 2011 هذه الحقيقة معضلة علمية صعبة بل كان الأمر باد للعيان بوضوح تام حين دراسة المعطيات الاقتصادية العلمية وبتحليل الواقع الموضوعي السياسي وليس بموجب أحكام الهوى ... ستظهر هذه النتيجة شاخصة أمامنا بوضوح تام .
أرجح أن القيادات السياسية والكيانات الأكاديمية في الغرب الرأسمالي وخاصة في الولايات المتحدة كانت تدرك هذه المعطيات حتى قبل هذا التاريخ ومنذ زمن بعيد . وهناك فلاسفة تنبأوا بهذا الحال مبكرا فكتبوا ونبهوا ولكن اليوم ليس يوم فلاسفة وعقلاء بل جنون المال والثروة وكل ما يستهوي السير وراء حفنة من الأوليغارشيا..! فقد كتب الكثير من الفلاسفة والمفكرين عن انهيار الحضارة الغربية ونهايتها وأشهر تلك الأعمال ما كتبه العالم الألماني اوزفالد شبنغلر عام 1926 من أفكار في كتاب " تدهور الحضارة الغربية " والكاتب الأمريكي باتريك بوكانن في مؤلفه الهام " موت الغرب / 2001 " غيرهما بل أني أميل اليوم للاعتقاد أن أحداث الاتحاد السوفيتي كانت مدروسة بعناية فائقة تحت شعار " أن نجري عملية كبيرة تحت السيطرة " وخاب أمل الغرب بخلق حالة من الفوضى في خضم عملية التحول الكبيرة جداً ويفلت زمام الأمور إلى ما تتمناه من تفتيت للأتحاد السوفيتي وربما إذكاء صراعات لا نهاية لها ولكن القيادة الروسية تمكنت بسرعة من تدارك الموقف واستعادت السيطرة على البلاد . أرجح أن الغرب كان قد توصل مبكرا ً إلى ما نراه اليوم من أحداث ... ولكن لماذا لم تضع الخطط المناسبة لتلافي هذه النتيجة أو تقليص آثارها فما نشهده اليوم هو تراجع يومي على جميع الأصعدة وأحياناً بتراجع غير منظم لنقل أشبه بالهزيمة . ترى أليس هناك عقلاء وحكماء يتدبرون المواقف قبل أن تتأزم وتلعب على حافة الانهيار ..؟ أم أن الولايات المتحدة ذاتها تعاني من مشكلات وأزمات ظاهرة وخفية تجعل من الممكن بروز مثل هذه الظواهر الغير معهودة في الدول العظمى ولكن الولايات المتحدة ذاتها تمر بمراحل من الضعف وسريان ظواهر التراجع العام في الأداء .
سياسة عداء الإسلام والعرب عداءأ مطلقا هو خطأ فضيع آخر ويدل على قصر نظر . إذ دخلوا في تناقض جوهري يصعب التلائم معه منه التزام الكيان الصهيوني التزاما مطلقا هو خطأ فضيع تدفع ثمنه الولايات المتحدة الآن والآتي أعظم واختراع كيان أسمه إيران (عام 1945) لم يكن موجود لا في التاريخ ولا في الجغرافيا بمهمة واحدة .. أن يكون مع إسرائيل دركي الغرب في منطقة تعج بعناصر القوة والتطورات الواعدة الكبيرة ... كان بدوره خطأ عانت منه الآن وستعاني المزيد في المستقبل أخطأت الولايات المتحدة في سياساتها في جنوب شرقي آسيا (في كوريا وفيتنام واليابان والصين وكمبوديا.. وغيرها) ودقت أسفينا من العلاقات الدموية مع شعوب تلك المنطقة يجعلها مكروهة ومحتقرة من شعوبها قبل أنظمتها ..! وما يقال عن آسيا يتكرر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بأساليب وصور مختلفة وأكثر من ذلك فحلفاءها في قلب معسكرها (أوربا) يترددون كثيرا في قبول الهيمنة التامة الأمريكية مشكلات وسوء فهم وتفهم عميق وأزمات توتر وسياسات تنذر بحروب طاحنة لا تبقي ولا تذر (حروب يوغسلافيا : الصرب، كوسوفو، البوسنة، أوكرانيا ) ...! تركيا الحليف المخلص في الناتو المشارك في كافة المعارك والمسخر لأفضل قواه بخدمة استراتيجية الناتو يكتشف أن الولايات المتحدة لا يهمها مطلقا هواجس الأمن التركي دولة بحجم سكانها ومساحتها وقدراتها وحجم جيشها لا تمتلك وسائط دفاع يعتمد عليها فتتفضل عليها الولايات المتحدة وترسل بضعة بطاريات صواريخ باتريوت وحين تريد ممارسة الضغط تسحبها بقرار انفرادي لتدع الأجواء التركية مفتوحة غير آمنة وترفض أن تبيعها أسلحة دفاع جوي وحين تشتري تركيا السلاح (SS400) من مصادر أخرى تغضب وتشطب مشاركتها ببرنامج صناعة طائرة الشبح (F35) وترفض تسلميها حصتها من الانتاج بل وترفض حتى إعادة المال المدفوع سلفاً... فأي جور وطغيان هذا ...؟ وعليك أن تحتمله برحابة صدر ..!
الولايات المتحدة تزعم أنها حليفة للملكة العربية السعودية وقد يصدق بعض الناس هذا الزعم ولكن في الواقع لم تبق وسيلة لم تتبعها الولايات المتحدة في التآمر على السعودية لإرهاقها وتهديد أمنها الاستراتيجي وبعض تلك التدخلات علني لا يحتاج اكتشافها ذكاء .. حين تدع قوى أخرى تقاتل بالنيابة عنها تقدم المساعدات العسكرية لمصر ولكن هذه المساعدات تهف إلى : يمنع منعا باتاً أن تتعامل مع غيري وإلا العقوبات جاهزة " والسياسة الامريكية تهدف إلى خلق مشكلات وأزمات لمصر أمنية وسياسية واقتصادية وحتى أزمات عميقة جداً كالمشاركة بأزمة سد النهضة ..! المطلوب أن تبقى مصر ضعيفة مفككة تمتثل لتعليمات وأوامر الإدارات الامريكية ..!
• يمنع عليك أن تتقدم اقتصادياً بدرجة تخرجك عن الحاجة لنا ...!
• ليبق تعاملك التجاري مع دول بعينها في حدود تافهة وإلا ....
• قدراتك العسكرية يجب أن تكون بحدود معينة ....
• هواجس الأمن القومي لبلادك نحن نقدرها وليس أنت ...
• تدخل واسع النطاق لا حدود له في ميادين اقتصادية واجتماعية وثقافية لا تخطر على البال ...
• التعامل لا يجري بمبدأ المعاملة بالمثل ... وهناك خرق لا ينتهي لمبادئ السيادة الوطنية .
الخلاصة ... ماذا تهدف أميركا بهذه السياسة الدولية الخرقاء ..؟
هل تتوقع أن تكسب أصدقاء ..؟ هل تتوقع أنها تكسب الحلفاء ..؟ هل تتوقع أن يتعاطف معها جمهور عالمي واسع النطاق ...؟ هل تتوقع أن يحترم الناس المواقف الامريكية ..؟ كلا .. هذه إجابة شاملة وما تحصده الولايات المتحدة اليوم هو نتائج سياسة اعتمدت على القوة وممارساتها الغاشمة في شتى أرجاء العالم .. وتزعم فوق هذه أنها حامية للقانون الدولي والديمقراطية وحقوق الإنسان ..! ولا تريد أن تصدق أن هذا عصر مضى وقته ... وأن البشرية مقبلة على فجر بلا استعمار ولا إمبريالية ولا عولمة ولا فاشية ولا نازية .. فهذه منتجات رأسمالية مكانها هو براميل النفايات .. العالم ليس قرية يا سادة القصر الأبيض ليقوده مختار أمريكي .. هذا كان حلم أنقضى سريعاً ....
إرسال تعليق