د. ضرغام الدباغ
مقدمة
يمثل هذا العمل الجزء الأعظم من الفصل الأخير من مؤلفنا تطور نظريات السياسة والحـكم العربية الجزء الثاني منه العصر الوسيط (منذ ظهور الإسلام وحتى سقوط الدولة العباسـية) مع إضافات وتنقيحات وبتبويب جديد منح البحث صفة جديدة مما يستحق تقديمه بوضـعه الجديد تعميماً للفائدة وتأكيداً على الهدف ألا وهو خدمة المثقف والقارئ العربي وحركة البحث العلمي . وعلى الرغم من أهمية وثقل المرحلة الإسلامية وإشعاعها الفكري والفلسفي علـى مسـيرة الثقافة و الحضارة العربية . ولكن لابد من التأكيد بادئ ذي بدء أن هذه المسيرة الثقافة والحضارة العربية لم تبدأ من نقطة الصفر بظهور الإسلام . فقبل ذلك وبوقت طويل كان العموريون والاراميون والكنعانيون وقبلهم الكثير من القبائل التي كانت قد هاجرت من شبه الجزيرة العربية واستوطنت في حقب لا يمكن تحديدها بدقة منذ فجر التاريخ ولكنها من المرجح بعد الألف العاشر قبل الميلاد وأقاموا كيانات سياسية / اجتماعية تتفاوت أهميتها بحسب ظروف المكان والزمان على ضفاف الأنهار والمناطق الخصبة من وادي الرافدين وبلاد الشام ووادي النيل . وإذا كان تحديد الهوية العرقية والقومية لتلك المنجزات في فجر التاريخ بدقة أمر يشوبه الغموض إلا أنه بدأ يكتسب وضوحاً متزايداً ويعزز ذلك إمكانية التعرف على شواهد تاريخية آثار كتابات خطوط ومنجزات هندسية بالدرجة الأولى بدخول الألف فٌبل الميلاد أو ألف وخمسمائة عام قبل الميلاد حيث غدا الحضور العربي بارزاً وواضحاً على أصعدة كثيرة ثقافية فكرية حضارية وكذلك على صعيد تطور نظريات الحكم والسياسة .
ومع أن دول الأنباط (البتراء) وتدمر والحضر والمناذرة والغساسنة في شمال شبه الجزيرة العربية لم تكن بمستوى الإمبراطوريات السابقة (أكد ـ بابل ـ آشور) أو دولة الخلافة العربية الإسلامية اللاحقة إلا أنها تمكنت من تحقيق منجزات سياسية وقانونية تستحق الإشارة إليها وبأهمية مماثلة تستحق دول الجنوب العربي التعرف على منجزاتها . ومع أن التراث العربي كان يحمل الكثير من الموروث السياسي قوانين ونظماً وفكراً وأدباً إلا أنه ولا بد من الإقرار بأن الإسلام قد مثل ثورة شاملة في جميع الميادين مما أكسب الفكر والممارسة العربية مضامين جديدة ارتقت بها إلى ذرى سامقة جديدة كل الجدة وثورية بكل معنى الكلمة . فمن الواضح أن ظهور الإسلام والمراحل التي تلته كانت من أكثر المراحل ثراء في تاريخ العرب على الأقل في العصر القديم والوسيط . ففي غضون فترة استغرقت ستة قرون ونصف من السنين تمثلت بمراحل الخلافة الراشدية والأموية والعباسية تطور فيها الفكر والنظام العربي وتسامى إلى درجات عالية وبتواتر سريعة نسبياً وكانت عملية التطور هذه تتم مع احتفاظ الفكر والنظام والعربي بشخصيته المميزة فيما كانت تدور عملية تفاعل رزينة كان الفكر العربي الإسلامي فيها فاعلاً ومتفاعلاً ولكن من المؤكد أن أي من تلك التيارات وهي عديدة على امتداد تلك الحقب متمثلة بالتيار الهيليني أولاً ثم الإسرائيليات ثم التيار الغنوصي ثم الحركة الشعوبية لم تستطع أن تحرف التيار العربي الإسلامي عن مساره وعن أصالته وشخصيته المميزة التي تعبر عن ذهنـية ومزاج والسـمات المميزة للخلق والشخصية العربية وتطلعها وعمقها وكل ما تضم من عناصر ومزايا .
نعم لقد تفاعل العرب مع الهيلينة ولاسيما في فن العمارة أخذاً وعطاء ولكن دون أن يمنع ذلك من تسامي فن العمارة والزخارف العربية إلى مستوى باهر وتطورها فيما بعد إلى عمارة عربية / إسلامية وبذات المعنى تفاعل الفلاسفة والعلماء العرب مع الفلسفة اليونانية / الإغريقية . ولكن الفلسفة العربية / الإسلامية خطت لنفسها طريقاً خاصاً بها وحتى الفارابي الذي يعد أكثر الفلاسفة الإسلامية تأثراً بالفلسفة الإغريقية كانت له رؤيته الخاصة إلى أشد الموضوعات أهمية وحساسية لاسيما تلك التي تتعلق بالتوحيد فيما كانت محاولات تيار الإسرائيليات والشعوبية تنصب على تشويه لمسيرة الفكر والثقافة العربية والدس ومحاولات بث الفرقة والخلافات والتناقضات وتغليب العارض على الدائم والثانوي على الرئيسي والسطحي على الجوهري ولم تنجح في مساعيها التخريبية إلا قليلاً وبما لا يؤثر على المسيرة الصاعدة لتطور الثقافة والفكر العربي على كافة الأصعدة ولاسيما قضايا الفكر ونظريات الحكم والسياسة العربية . فالفكر والنظام السياسي العربي إذن قد تكون عبر قرون طويلة من التجارب خضع خلالها لعملية تطور ذاتية كما أنه استفاد في بعض جوانبه من تجارب ونظم أمم أخرى وقد عبر هذا الفكر والنظام عن انعكاس للحالة الاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية وتعبير عنها. ومن المؤكد أن النظام السياسي العربي قد خضع لعملية التطور التاريخية مستفيداً من تجاربه تلك التي أضافت الكثير وقلصت من الكثير ولكن مع احتفاظ الفكر والنظام السياسي العربي بخصائصه وملامحه المميزة وبذلك وحده تمكن الفكر والنظام العربي من الاحتفاظ بشخصيته وطابعه الخاص .
وإذا كان التعرف على تفاصيل كل تلك العناوين أمراً يفوق مهمة هذا البحث إذ يتطلب دراسات وأبحاث خاصة فأننا في هذا البحث قد ركزنا بصورة مكثفة على أبرز ما نعتقد أنه يمثل ركائز وأسس علوم سياسية عربية / إسلامية كمدخل لدراسة أبحاث في هذا المجال وإن كنا نظن أن هذه موضوعات كثيرة ما تزال تناشد العلماء العرب لبذل المزيد من الجهود لإبرازها وإظهارها من بين كم هائل من المخطوطات القديمة والحقائق المتناثرة في بحوث علماء واختصاصين قديمة وحديثة وبذلك وحده يمكن إقامة ربط محكم بين منجزاتنا العلمية والتي لا تقل أهمية عن أعمال علماء من أمم أخرى تأسيساً على تلك الأعمال بل أننا إذا تبينا بعمق ودقه نلاحظ بوضوح أن بحوث العلماء العرب في عصور الازدهار تفوق في متانتها وقيمتها العلمية مثيلاتها من المنجزات الأوربية وأن أعمال عربية / إسلامية لعلماء عرب ومسلمين مثل الفارابي وأبن سينا والغزالي وأبن مسكويه وأبن الجوزي وأبن رشد والماوردي والطرطوشي وابن الأزرق وأبن خلدون وغيرهم مثلت حجر الأساس في تطور علوم اجتماعية /سياسية في أوربا الحديثة حيث تشير كتابات أوربية معاصرة كثيرة إلى تأثير البحوث العربية وأن المنجزات الأوربية في هذه العلوم إنما كانت وليدة اقتباسات، أو تجارب نقلها الأوربيين عن عرب المشرق خلال الحروب الصليبية أو تلك التي نقلوها عن عرب المغرب سواء في الأندلس أو من خلال صقلية التي مكث فيها العرب فترة طويلة من الزمن في عهد الأغالبة . لقد أكتنف أعداد هذا البحث صعوبات كثيرة ذاتية وموضوعية ولكنني أعتقد أنه سيمثل إسهام في البناء الثقافي وتواصل في الجهد لخدمة الفكر السياسي العربي الإسلامي .
الطبعة الثانية
صادرة عن : المركز العربي الألماني
برلين / 2020
المطبوع رقم (57)
الفصل الأول : المبادئ الرئيسية في الفكر العربي الإسلامي 13
1-1 ـ مبادئ وجوب اتخاذ الإمارة أداء الأمانات ـ الشورى ـ المسؤولية ـ العمل .
2-1 ـ مبادئ الدعوة إلى العمران . الحريات الاجتماعية ـ المساواة ـ الولاء للجماعة ونزع العصبية.
3-1 ـ مبادئ الأمر بالمعروف. العدل ـ السلم ـ التعاون ـ الجهاد.
4-1 ـ مبادئ النهي عن المنكر الربا ـ الرشوة ـ الخيانة ـ التجسس.
5-1 ـ مبادئ سياسية عامة . التحالف ـ المرونة ـ الحرب ـ تجنب أحكام الهوى .
الفصل الثاني : المؤسسات الرئيسية في النظام العربي الإسلامي 53
1-2 ـ نشوء وتطور نظام الخلافة .
2-2 ـ تطور مؤسسات الحكم .
* الدواوين (الوزارة).
* القضاء.
* المؤسسات العسكرية.
3-2 ـ المؤسسة الاجتماعية والاقتصادية.
الفصل الثالث : التطور الفكري ـ الثقافي ـ الفني 94
1-3 ـ تراكم في مجرى التطور التاريخي.
2-3 ـ حتمية الثورة، حتمية التطور.
3-3 ـ النضج يعطي ثماره .
* ثلاث تيارات.
* ملامح سياسية متميزة.
* موضوعات مهمة.
الفصل الرابع : السياسة والحكم بين النظرية والتطبيق 132 4 -1ـ تحليل سلطة الخلافة في الدولة العربية الإسلامية .
2-4 ـ دولة قومية أو ثيوقراطية .
3-4 ـ اتجاهات التطور في السياسة الداخلية .
4-4 ـ نزعات للاستقلال / انشقاقات .
* كيانات في مشرق الإمبراطورية .
* كيانات في مغرب الإمبراطورية .
* دولة الأمويين في الأندلس .
* دولة الفاطميين في مصر .
الفصل الخامس : السياسة الخارجية في الدولة العربية الإسلامية 168
1-5 ـ العناصر الأساسية في السياسة الخارجية .
2-5 ـ الدبلوماسية العربية الإسلامية .
3-5 ـ القوة المسلحة في علاقات الدولة .
عوضاً عن الخاتمة 191 ملاحق 200
ـ سيرة حياة الرسول
ـ وثيقة يثرب
ـ هدنة الحديبية
ـ خطابات الرسول
ـ عهود الرسول
ـ حجة الوداع
ـ الخلافة الراشدية
ـ استخلاف أبو بكر لعمر بن الخطاب
ـ عهد عمر لأهل لأهل القدس
ـ هدنة صفين
ـ الخلافة الأموية
ـ استخلاف سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز
ـ الخلافة العباسية
ـ وثيقة خلع الأمين بن هارون الرشيد
المصادر : المؤلف/ بغداد : أبو غريب أواخر عام 1996
إرسال تعليق