سناء الجاك
كاتبة وصحافية لبنانية
يطل 14 شباط/فبراير هذا العام أيضا بمزيد من الخيبات التي تؤكد أن الخط البياني لهدف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي تحِلُّ ذكراها الثامنة عشر يسير كما أراد له من رسمه أن يسير . فها نحن اليوم دولة من دون سيادة ومن دون رجال دولة في معادلة قوامها تسويات تقتضي الصمت عن سلطة السلاح المصادر للسيادة مقابل تسهيل النهب الممنهج الذي تمارسه الطبقة السياسية بحيث يرتفع منسوب الانهيار ويصل حدوداً غير مسبوقة . وها نحن اليوم دولة متعثرة متشظية ومشرذمة سمعتها ملوثة بالفساد والعجز. والأهم اننا أصبحنا دولة منبوذة بعدما كانت قبل 14 شباط/فبراير 2005 دولة واعدة منفتحة على العالم بالرغم من كل العراقيل التي لم تحل دون ازدهارها .
من هنا نفهم ذنب رفيق الحريري ولماذا كان يجب شطبه من المعادلات . ذنبه أنه كان الحلقة الأقوى في دائرة تطوِّق مشروع هلال الممانعة وتمنع وصوله الى الساحل الشرقي للبحر المتوسط . ما يعني إن فعل الاغتيال لم يكن حدثاً داخليا متعلقا بأسماء من اتهمهم القضاء الدولي فحسب بل كان مشروعا عابرا للحدود وقد أدى هدفه . فالجريمة الأم التي سبقتها واستلحقتها اغتيالات مدروسة وموجعة حوّلت الوطن قبراً مفتوحاً حتى يبقى على قياسهم . واستكملت مخططها خلال هذه السنوات الثمانية عشرة ولم تستثن تصفية المتهمين بالمشاركة فيها من خلال التخطيط والتنفيذ وكذلك إخفاء شهود الزور الذين صاروا نسياً منسياً بعد أن أدوا مهماتهم الوسخة .. ما سهَّل إلحاق اللبنانيين بالشعوب الغارقة في هموم تتجاوز بكثير الجريمة الأم التي يمكن القول إنها خرجت من التداول لتحل محلها جرائم أخرى فظيعة متتالية كما مسلسلات الرعب . تغيرت الأولويات وانزوت لمصلحة التخويف المستمر بالحرب الأهلية في ظلال اللعب المستمر على الوتر المذهبي ولمصلحة مصادرة أحلام اللبنانيين وتقزيمها لتقتصر على تأمين الخبز . ولا يزال المخطط مستمراً مع الوسائل المستخدمة لتقويض فرص الخلاص ووقف الانهيار وفق خطة مبرمجة تطيح بأي جهود تقاوم تنظيم الخراب وإدارته .
وكم كان أصحاب المخطط بارعين فقد أعطى تعبهم ثماره لو سألناهم اليوم : ماذا لو عاد بهم الزمن إلى الوراء هل كانوا سيرتكبون جريمة اغتيال رفيق الحريري أو يشاركون فيها ؟ بالطبع سيكون جوابهم انهم في الأساس أبرياء من هذه الجريمة كما من الجرائم اللاحقة ويقسمون أن مؤامرة من الشيطان الأكبر وحلفائه هي المحرك للقضاء على لبنان بمثل هذه الاغتيالات والأحداث والنكبات . بالطبع لن يقروا ويعترفوا أنهم يقودون مشروع هيمنة وسوف يتجاهلون أن سلسلة ارتكاباتهم لم تهدف إلا لتصفية "المعسكر الآخر". ولا يهمهم انه منذ 14 شباط/ فبراير 2005 والقضاء اللبناني يطوي ملفاً تلو ملف من دون متابعة لكل من يقع ضحية مسلسل الجرائم المنظم . وأرشيف الدم المسفوك غزير ومن دون اي تقدم او اكتشاف اي دليل يشير الى الجهة المنفذة، المهم حفظ توازن الرعب اللبناني، كأنما اريد لهذا التوازن ان ينسف المطالبة بالحقيقة والعدالة في أي من الملفات المكدسة . لكن ذلك كله لا يمنع من ان تكون الجمهورية المطلوبة التي لا بديل منها مهما طال الزمن هي الجمهورية المخطوفة المبنية على فعل الارغام والمفخخة بكل ما يعيد لبنان "ساحة" فالتة لكل الديناصورات . وإذا حاول بعض المتفائلين البحث عن النصف الملآن من الكوب فإن هناك من يسارع ليذكرهم بأنهم تحت الوصاية وبأن هذه الوصاية حاضرة لتذيقهم البلاء بأشكال وألوان مبتكرة حتى ينصاعوا، ويصرفون النظر عن تعزيز أرصدة الوطن. جل ما يُسمح به هو الوقوف على الأطلال.. للذكرى فقط ..
المصدر : عربي-sky-news
إرسال تعليق