واذن فقد فقدناك ....

مشاهدات



د. وليد الصراف 

 

حين كنت طالبا في المتوسطة اشتركت في مسابقة شعرية مدرسية وانا مطمئن انني سأفوز فاحد المحكمين اديب معروف اعرفه جيدا ولايعرفني ولكنني فوجئت والقائي يتصاعد انه يمتعض من الالقاء ويقول لاترفع صوتك الشعر ليس صراخا ولم افز فاستغربت منه هذا الموقف ولاسيما ان الذين فازوا لاعلاقة لهم بالشعر لم  يخطر لي لحظتها  انني ساصبح طبيبا للانف والاذن والحنجرة وسيراجعني   وساكتشف انه مصاب بمرض في القوقعة يجعله يسمع الاصوات العالية اعلى مما هي عليه الى حد لايحتمل فلمت نفسي انني لمته وقتها وانني آذيته  بصوتي العالي . ولم يكن يخطر لي وله انه سيكتب بعد سنين طوال في الزمان اللندنية عن هذا الطالب الذي امتعض من القائه فيقول انه الحكواتي الذي ينوب عن الف ليلة وليلة بعد ان يقرأ مجموعته القصصية  . 

 

كان الرجل أصمّ واخذ الصمم يتصاعد ـكالقائي حتى وصل به الى مرحلة لم يعد يستطيع ان يتفاهم عندها مع الناس الا بالورقة والقلم . كان يستنسخ ماتنشره له الصحف ويضعه في ظروف ويرسله الى عدد كبير من المثقفين كم مرة ذهبت الى المقهى أو المكتبة فوجدت ظرفاعليه اسمي فيه قصة او مقال نقدي له او قصيدة لي او مقال نقدي عني فاتني ادراكهما وكم مرة صحا ابي الذي كان زميله في العالية ليجد تحت باب بيته ظرفا تركه حتى بات المرء يخجل من كرم الرجل ولطفه ,كان يحمل اخلا ق جيل قلّ أمثاله بين الكثير ممن اتى بعده من اجيال كان المرجو ان تتصاعد انسانيا حتى بتنا نغبطه احيانا على تصاعد صممه الذي وقاه من نشازاتهم الادبية والانسانية , دار على جميع الاطباء ولم يجد علاجا لصممه فقد كان خارج حدود قدرة الطب في زماننا هذا , وقد كان يمزح ويقول لاصدقائي عندما يصادفهم في الطرقات التي يقطعها ماشيا دوما : وليد الصراف اديب ممتاز وطبيب فاشل انه  لم يشف أذني . 

 

قبل اسابيع عرفت انه نزف من قرحة في الاثني عشر , زارني الاستاذ يوسف البارودي في عيادتي  واخذني اليه فعدناه وعندما اطلعت على تحليلاته عرفت ان النزف اصابه بعجز في الكلى فاخبرت ذويه انه لابد ان يدخل المستشفى فاخذوه اليها في اليوم التالي وفرحت عندما اخبرني طبيب الباطنية انه تحسن ولكنني فجعت اليوم بوفاته , برحيل القاص انور عبد العزيز نكون قد رزئنا بجيل قد يكون الفقيد من آخر من تبقى من ابنائه ,جيل تخرج في (العالية) التي تخرج فيها السياب والبياتي والعيسى ولميعة وعبد الرزاق عبد الواحد وسعدي والصائغ و.....وحاضر فيها مصطفى جواد وعلي جواد الطاهر ونازك الملائكة وعاتكة الخزرجي والبصير والمخزومي و....وداعا يااستاذنا الجليل ايها العلم الذي في رأسه نار الادب والفن والخلق الرضي ولانقول الامايرضي الله  ,ابكيك مع الكثيرين الذين يبكونك في زمن حوصرت فيه الدمعة  وتتبعك دموعي ايها المشّاء حتى تبلغ وهيهات ذراك الانسانية وتستعير عيناي دمعا من الشاعر العربي القديم الذي بكى قبل قرون علما مثلك عزّ مثيله فقال :

 

عمّت فوائده فعمّ هلاكه  فالناس فيه كلهم ماجورُ

يثني عليك لسان من لم توله خيرا لانك بالثناء جدير

فالناس مأتمهم عليه واحد في كل دار رنّة وزفير

عجبا لاربع اذرع في خمسة  في جوفها جبل اشم كبير

تعليقات

أحدث أقدم