البطانة المُتزلّفة

مشاهدات



بقلم : سعد أحمد الكبيسي 



يُحكى أن أحد الملوك احتال عليه خياط فأقنعه بأنه سيصنعُ له ثوباً فريداً لا يراه سوى الحكماء!! اقتنع الملك بمهارة الخياط المحتال، وخرج على وزرائه عارياً تماماً!!

 

وقال لهم : انظروا … ما رأيكم في هذا الثوب السحري الذي لا يراه سوى الحكماء؟!! خاف بعض الوزراء من غضب الملك فقالوا : ثوب عظيم يا مولاي.


ولكن بعض الوزراء الطامعين في عطايا الملك قالوا : لم نر  في حياتنا أجمل من هذا الثوب الذي يرتديه مولانا الملك!!


وكان في القاعة طفل صغير، قال ببراءة  : أين هذا الثوب الذي تتحدثون عنه ؟! إني أرى الملك عارياً تماماً.


عندها قام أحد الوزراء وقال للملك : ثوب مولانا لا يراه إلا الحكماء، اخرِجْ هذا الطفل السفيه الصغير من مجلسك .


بطانة الحاكم؛ خاصته الذين يطلعون على أسراره ويستبطنون أمره، وهو مأخوذ من بطانة الثوب، وهي ما يلي الجسد منه. والأصل في بطانة الحاكم أن تطرح عليه الآراء إذا ما احتاج، وتصدق معه في المشورة إذا ما استشار، وهم بمثابة عقله فمن فسدت بطانته كان كمن غص بالماء. إن صورة الرئيس والمسؤول والحاكم في بلادنا تتحمل جزءاً كبيراً منها البطانة المتزلفة، هؤلاء الذين لا يعرفون إلا التطبيل؛ فيغشّون المسؤول  قبل أن يغشوا الشعب، ولكنهم للأسف لا ينظرون إلى الأمور إلا من منظور مصلحتهم الشخصية، وليتهم يتعاملون مع الأمور على مبدأ اسكت تسلم، ولكنهم يتعاملون معها على مبدأ طبِّل تغنم!!


البعض من محترفي النفاق يتمركزون  حول نقطة اتخاذ القرار (المسؤول)، وتحيط  به  إحاطة السوار بالمعصم يسمع بآذانها، ويفكر بعقلها، تهيء  له أن يستريح لتحمل هي عنه الهم، فتسرح وتمرح في المال العام، فهو يحتاج إليهم ليستمر في الحكم، وهم يحتاجون إليه ليستمروا في النهب والسلب والتحكّم بمقدّرات الناس وأحوالهم وأوضاعهم. من هولاء البطانة خبير الاقتصاد الذي يستميتُ لتبرير ضريبة، أو لتمرير صفقة يعرف في قرارة نفسه أنها جائرة. ومنهم المحلل السياسي والقانوني الذي  يلوي عنق مئة نص ليخبرك أن قرار المسؤول هو القانون بعينه، وهو يعرف في قرارة نفسه أنه كذاب أشر ولكنها ثقافة التطبيل.


إن أكبر مصائبنا اليوم ليست في المسؤولين فقط، بقدر ما هي في الحاشية المحيطة بهم، التي تُطبل لهم على كل صغيرة وكبيرة، وعلى الخطأ والصواب، فمن أين سيعرف المسؤول أنه أخطأ ما لم يكن في بطانته من لا يجامله، ولكن الحال كما تعلمون لو أن المسؤول قطع رواتب الفقراء لخرجت في صبيحة اليوم التالي ألف قناة خسيسة، وألف إعلامي قذر، وألف صحيفة عفنة، تُسبح بحمد المسؤول وتستخلص المنافع والحكم من أخطائه وجوره وظلمه. وعلى هذا الوضع كثير من الناس، إلا قلة قليلة من النخب  تنأى بنفسها عن هكذا أعمال، تتوارى  وتبتعد تجنباً لمثل هذه الأجواء المريضة.



تعليقات

أحدث أقدم