هل يجب علينا أن نحزن في زمن “التفاهة”؟

مشاهدات


بقلم : الدكتور نزار محمود


لابد من التمهيد بجملتين ، كما يقال، قبل الولوج في الإجابة على تساؤل المقال . لكل جيل ثقافته وحاجاته وسبله في التعبير عن تلك الثقافة والحاجات ، لا بل واسلوب العيش . وهذه حقيقة وواقع لا يجوز انكارها أو القفز عليها . فكثيراً ما كنا نسمع نحن ، ابناء جيل خمسينات القرن الماضي، من آبائنا تذمراتهم عما يشغلنا نحن من ميول خلافاً لما يحنون اليه أيام صباهم  وشبابهم . ولا أعتقد أن الأمر تغير معنا أو سيتغير مع أبنائنا وأحفادنا . ومنذ بعض الوقت، وتحديداً منذ انتشار الهواتف الذكية وبرامج التواصل الاجتماعي وامكاناتها المذهلة في يسر استعمالات وظائفها العديدة، والتي ترتب عليها الانشغال الكبير بها وانعكاسات ذلك في هيكيلية علاقاتنا الاجتماعية وأنماط تواصلاتنا . 

 

يومياً تمطرنا مئات وآلاف النصوص والمقاطع الصوتية والأفلام من غث وسمين ، ومضحك ومبك ! هذه الظاهرة لم تغفل عنها عقول وعيون التجارة والكسب فتحولت كثيراً من تطبيقاتها الى مصادر رزق وتربح وحتى ثروات كبيرة . اليوم يعيش البعض على مشاهدات مساهماته على البوتيوب والتك توك وغيرها من البرامج وتتربح الشركات التجارية بهذا الأسلوب وذاك من خلال حشر اعلاناتها والترويج لمنتجاتها وخدماتها . يكفي لفتاة أنعم عليها الله عليها بشيء من الجمال والاثارة والشجاعة الأدبية والجرأة أن تكسب الكثير  بيسر ودون صعوبات كثيرة ! حتى أن أكبر المؤسسات الاخبارية لم تستثن ذلك في قارئات نشرات اخبارها التي تدور حول الحروب والأزمات والكوارث !

 

عندما سألت أحد أقاربي ، وهو طبيب مختص بالأنف والأذن والحنجرة ، عن عمله ، أجابني : أن وقته يقضيه في عمليات تجميل الأنف وعندما أبديت استغرابي، قال لي : يبدو أنك من أصحاب الكهف يا سيدي !!! ان لجان مقابلات التوظيف لا يضعن ملاحظاتهم النهائية حول المتقابلة حتى تسد تلك المتقابلة الباب وراءها !! ما أجده في نظرتي متناقضاً هو أنني مع حرية الإنسان تارة، ومع التزامه العام بضوابط الأدب الاجتماعي تارة أخرى ! المشكلة ، يا سادتي، هي : أن موازيننا ومقاييسنا، نحن ابناء ما قبل الثمانينات ،  لم بعد يعمل بها اليوم كثير من الناس ! ترى هل يحق لنا أو يجب علينا أن نحزن مما نراه تافهاً في ما يرغبه كثيرون ويفرحون وينشغلون به ، لا بل ويكسبون منه في زمن طغت فيه الماديات وملذات الحياة ؟



تعليقات

أحدث أقدم