لا وقت للفوضى

مشاهدات




فاطمة المزروعي



البعض يثير الغضب في نفسه بدون فائدة ، بالصراخ والكلمات العالية والحزن لكن هذه الحالة الغاضبة لا تنم عن الشجاعة أو التميز، بقدر ما توضح وهن الشخص الغاضب وتواضع تفكيره ، واستسلامه التام للمنغصات والمستفزات والتي هي واقع في حياتنا اليوم ولا فكاك منها، بل إن الغاضب ضعيف . وأستحضر شاهداً قد يكون مناسباً في هذا السياق لإليزابيث كيني، التي قدمت للعالم مبادئ هامة في تأهيل العضلات وأساس العلاج الطبيعي، حيث قالت: "من يستطيع أن يجعلك غاضباً فهو يستحوذ عليك".

 

وإذا أمعنا النظر مليا في هذه الكلمات، فإننا سنجد أنها حقيقية وتنطبق على واقع الكثير منا، خاصة أولئك الذين يغضبون بين وقت وآخر، وفي أحيان يكون غضبهم على أمور متواضعة جدا، هم في الحقيقة ضعاف ولا مقدرة لديهم للسيطرة على مشاعرهم الذاتية ، ويعبرون عن هذا الخوف بطريقة شبه جنونية ، وكما قال الشاعر الروماني القديم هوراتيوس : "الغضب هو جنون مؤقت" لذا أعتقد أن الإنسان الذي لا يستطيع التحكم في انفعالاته وعواطفه النفسية غير قادر على التحكم بما هو أهم وأكبر وأعظم . لقد فسر العلم والعلماء ذلك أن الإنسان الغاضب على كل صغيرة وكبيرة، يجب أن يتوقف مع نفسه، ويراجع مشاعره جيداً، ويبحث عن علاج فوراً، وإذا لم يفعل فإن الأمراض ستداهمه وستقضي عليه، لأنه يأكل نفسه بهذا الغضب، ويدمّر جهازه العصبي الذي سينتج جملة من الأمراض الجسدية.

 

ولتوضيح ما أريد الوصول له أنقلكم لقصة كتبها كلارنس بانجتون كيلاند، ونشرها في مجلة ذا أميريكان مجازين، قال فيها: "جلست ذات ليلة بجانب رجل مهنته وعمله في مجال الاخشاب، ناشر أخشاب، أثناء احتراق كل دولار اكتسبه أمام عينيه، كان في غاية الهدوء وهو يشاهد تعبه والأخشاب تلتهمها النار، حاولت أن أتعاطف معه، فقال  رداً علي إنني أتخيل كيف سيبدو مصنع نشر الأخشاب الجديد". ففي أحلك الظروف التي يعيشها هذا الخشاب، وهو لازال يعيش لحظة الكارثة التي حلت به، فإنه وجه عقله نحو جانب إيجابي وهو التوسع لإنشاء مصنع كامل، وقد لا يكون في تلك اللحظة قادرا ماليا، لكنه يوجه لعقله رسائل من الإيجابية والتفاؤل، ليس نهاية المطاف احتراق أخشابه ولن يتوقف العالم من أجل هذا الحدث، لذا لم يغمر نفسه بالحزن ولم يسمح للقنوط والكآبة واليأس من السيطرة عليه بل لم يسمح لها بالاقتراب من سياج عقله وتفكيره، هذا التفاؤل بالغد أمام المحن أو قسوة الواقع هو ما نحتاجه فعلا في حياتنا وبشكل دائم ومستمر.

تعليقات

أحدث أقدم