سعد أحمد الكبيسي
بعد الانفجار الكبير الذي حصل في عالم الإعلام ، كان من المفترضِ أَن ينقلنا نقلةً طويلةً ، إلى التغيير، والعلم ، والمعرفة ، فإذا بنا نجد أنفسنا أمامَ دكاكين تبيع الكلام ، والأوهام ، وتعمل على تغذية الصراعات ، والكراهية، والتزييف، والتخدير، فأصحاب هذه الدكاكين (أقصد القنوات، والمواقع، والصفحات، والإذاعات) ، هم أحزاب السلطة التي تُمارس على الشعب أكبر عملية تضليل شهدتها البشرية ، فهي خناجر مسمومة تُغرز في جسد المجتمع . لقد أخذ الإعلام دورًا خطيرًا في العراق، وهو دور تغييب التفكير، لدى المشاهد، أو المتابع، وجعله أداة يتحرك وفق ما يريده الساسة .
واعذروني إذا ما استحضرت قول الثائر (تشي جيفارا) : ( عندما تتبول السلطات على الشعوب يأتي دور الإعلام ليقنعهم أنها تمطر).
اليوم وبعد مرور عشرين سنةً على التغيير المشؤوم ، والتحول الكبير في الإعلام الرقمي العالمي، وسيل المعلومات، لا تزال دكاكيننا الإعلامية تمارس الكذب ، والغش، والخداع ، وبيع الوهم ، وتخدير الشعب، والسيطرة على العقول، وترسيخ مفهوم ( ماكو فايدة)، واليأس من التغيير ، وإغراق المجتمع بمواضيع ليس لها نفع ، مستخدمين أفيون الكلمة من خلال إعلاميين، ومحللين، وكتاب، وأقلام خائنة . فعندما ينتقل الإعلام من الرسالة إلى الحيونة، ويخوض في بحر الجهالة، ويكون معول هدمٍ، ويعمل على تعميق الجراح، وتوسيعها، وإحداث ثُغَرٍ ثقافية تبث في المجتمع روح الفُرقة والهزيمة، فعظم الله أجركم فيه .
مشكلةٌ كبيرةٌ حين تنتظر من الإعلام ليقوم بمهمة الإصلاح ، ورأب الصدع الاجتماعي، ثم تُفاجأ بأنَّ كثيرًا من الإعلاميين يتقاضون رواتبهم لإخفاء الحقيقة لا لإظهارها، ولتضليل الناس لا لإرشادهم، ولنشر الفساد ، لا لإصلاح الحال . إن كان هناك ثمةَ ما يستحق أن يُصنف على قائمة الإعاقة، والانحراف فهي هذه القنوات الفاسدة . لقد أصبحت قوى الفساد والاستبداد بارعة كل البراعة في استعمال ما تملك من أدوات، وأموال خاصة تحت ستار حرية التعبير، لتضليل الشعب، ودفعه نحو مزيد من الحَيْرة والخبط. إعلامنا اليوم في حاجة إلى البوصلة التي فقدها، ومن دونها سيبقى الشعب مُخدرًا بأفيون الكلمة، وعاجزًا عن معرفة طريق خلاصه . ولقد أوجز القولَ الشاعرُ الكبير أحمد مطر بكلمتين ( إعلامنا إعدامنا )
إرسال تعليق