Omer M Faisel
صرنا نعاني كل يوم من صور الخراب والدمار والهدم التي تتزايد في الوطن بتسارعٍ يفوق التصوّر ويبعث على الألم ويفاقم الشعور بالخيبة . لكن تلك الصورة الفاجعة تتصاغر أحياناً قبالة ما نراه من خراب النفوس والأنهيار الإجتماعي المدمّر الذي لا يبقي في بناء المجتمع العراقي الذي كان مضرب الأمثال في الإلفة والطيبة وكرم الأخلاق والطباع حجراً على حجر . بتفكُّرٍ يخالطه الألم استغرقتُ أمام هذه الصورة كثيراً من الوقت في الأيام الأخيرة وأنا أتابع ردود الأفعال المختلفة والمتباينة والمتقاطعة تجاه اللقاء الذي أجرته قناة الجزيرة مؤخّراً مع وزير الخارجية الأسبق الدكتور ناجي صبري الحديثي .
لم أفكّر كثيراً بما كُتب هنا وهناك ، فالوضوح الذي يكتنف هذه الشخصية العراقية قد ترسّخ لدى العراقين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ، كما أصبح جليّاً بتواتر المواقف والأحداث والروايات ، وبمواقف الإعلام والدوائر الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية المنفعلة والمأزومة تجاه الشخصية كما كانت اتجاه القضية ، والسجالات المحتدمة التي شهدتها قاعات ومؤتمرات وأروقة الأمم المتحدة والجامعة العربية والمحافل الأخرى في الفترة التي سبقت الغزو وخلاله ، والتي كانت بقيادة الحديثي وشهد العالم كلّه القدرات الدبلوماسية النادرة والتوازن والمبدأية والصرامة التي تحلّى بها والتي أخّرت وكادت ان تُفشل مساعي القوّة الغاشمة - التي تتحكم بالمنظمة الدولية وبالعالم - في الغزو . سوف لن أنطلق من رأيي الشخصي في هذا الحديث لأن شهادتي فيه مجروحة أولاً ، ولأن الرأي العام المنصف يغنيني عن ذلك ، وسأطرح - للاختصار- مثالاً واحداً لما كان من ردود الأفعال السلبيّة التي افتقرت للموضوعية لصالح الإنفعالية الواضحة التي أفرغت المحتوى من أدوات الإقناع بل وأمالت الميزان الى الجانب المضاد ، فكأنها جاءت تأكيداً ودعماً لكل الآراء الإيجابية التي أشادت بمحتوى اللقاء وبشخصية الحدَث .
منذ البداية كان صاحب هذا الرأي يسمّي شخصية اللقاء -المعروف بدرجته العلمية ومكانته الدبلوماسية عربيّاً وعالمياً الأستاذ الدكتور الوزير الدبلوماسي الإعلامي الصحفي الأكاديمي التي تشهد له بالفضل والسموّ كل هذه المواقع - ب (إبن صبري) وهو لا يعرف أنه بهذا النداء قد أضاف لهذه الشخصية مكانة أكبر وأرفع من كل هذه الصفات آنفة الذكر . ف (صبري) رحمه الله لو علم هذا المتحدّث هو رجلٌ من وجوه المجتمع معروفٌ بمكانته الاجتماعية التي لا تصنعها المناصب والوظائف والألقاب والعناوين قدر ما تخلقها المواقف ، وبطيبته وسمعته التي وسمت مسيرة حياته وبنت البيت الذي قدّم للعراق رجالاً - كان آخرهم الدكتور ناجي "أمدّ الله في عمره وحفظه للوطن"- لا زالت وستبقى بصماتهم محطاتٍ مضيئةً في تاريخ العراق وسفر الوطنية الشريفة اللامعة . ولا أريد الإطالة ، لكن لا مناص من أن أذكر أن ما اصطنعه المتحدّث الذي أشرت إليه حول موضوع الطعن بقيادة العراق ورموزها لا ينطلي على احد ، فقد كان موقف الدكتور الحديثي واضحاً جازماً بانتمائه للوطنية العراقية واحترام قيادته والدفاع عنها بحزمٍ ، ولكن الجميع يعلم أن المؤامرة التي ذُكرت كانت وهماً صنعه وسوّقه جوقةُ الكذّابين والهزيلين الذين أحاطوا بالقيادة حينها (والذين لا تخلو منهم ساحة ولا يصفو منهم زمان) للتخلص من العناصر التي كانت ذات شأن وتأثير في قيادة العراق وهي القادرة على قيادته ، والتي كان وجودها عبئاً ثقيلاً على هؤلاء العبيد الذين خلا لهم الجو بتصفية الرؤوس الوطنية الكبيرة .
ولا أقول إلا :
كفاكم أيها العراقيون تمزّقاً وفِرقةً وتيهاً وضياعاً وأنتم تشوهون كل جميلٍ وصحيحٍ فيكم في الوقت الذي يتسيدكم الرِعاع والسرّاق والخونة أشباه الرجال ، وعودوا الى رشدكم ، فقد بلغ السيلُ الزُبى ..
والله من وراء القصد .
إرسال تعليق