«مبدعون» بالإكراه !!

مشاهدات



عائشة سلطان



في كل الأفعال والأعمال التي يقوم بها الناس، نجد أن هناك من يجيد فعل الأشياء وهناك من يحاول بشتى الوسائل لكنه لا يقتنع بأن الإبداع لا يأتي بالقوة ولا بالواسطة، ذلك يوجد متميزون ومبدعون، كما يوجد فاشلون وأنصاف موهوبين، المشكلة العويصة أن كثيرين لا يعترفون بهذه الحقيقة البديهية، فيصرون على اقتحام مجالات ليس لهم فيها ناقة ولا جمل ولا خيط في قيد الجمل، فيصر أحدهم على أنه شاعر مثلاً بينما الشعر ملكة وموهبة لا تفرض بالقوة ولا تباع ولا تشترى !

 

ومثل الشعر الغناء والتمثيل والرسم والكتابة، وفنون كثيرة تبدأ بالموهبة وتلمع بالصقل والدراسة والتدريب وتستمر بالممارسة والعمل الجاد، هذه الفنون ليست سوى تجلٍ مبهر لعبقرية العقل البشري لا دخل للإنسان فيها، بقدر ما يتدخل في صقلها وشحذها والارتقاء بها متى اكتشفها . إن الجامعات والدورات والفصول التي تعلن عن تنظيم دورات في الكتابة الإبداعية مثلاً : ككتابة المقال والقصة والرواية والمسرحية والسيناريو والرسائل والسيرة الذاتية ، لا يقصدون حتماً أنهم بصدد تعليم الناس كيف يصبحون روائيين من الفراغ ، كتاباً مسرحيين على نهج شكسبير مثلاً عبر إعطاء مجموعة من الدروس والتقنيات ، فهذا هو المحال .

 

هناك فرق بين أن تحفظ قصيدة للمتنبي أو ديوان شعر لمحمود درويش وأن تصبح شاعراً لمجرد حفظ بحور وأوزان الشعر ، فالمتنبي لم يكن يعرف شيئاً عن علم العروض الذي وضعه الخليل الفراهيدي، ولا قواعد اللغة والنحو والصرف التي وضعها علماء اللغة ، لكنه كان ولا يزال أعظم شاعر أنجبته مدونة العرب الشعرية إن لم يكن أعظم شاعر في التاريخ الإنساني، فقد أوتي عبقرية الشعر والكلام ولم يتعلمها من أحد، ولذلك فحتى لو حفظت عشرات الدروس في آليات الكتابة وحفظت كل تقنياتها، فما لم تمتلك الموهبة الحقيقية فإن شيئاً من كل تلك الدروس لن يفيدك . وفي الصحافة لن تكون صحفياً بالواسطة ، فستأتي اللحظة التي سيذوب فيها الثلج ويظهر كل ما تحته ، ومهما دفعت أموالاً لشراء شهادات في الفلسفة والأدب، فإن جملة من ست كلمات كفيلة بكشف خوائك !

تعليقات

أحدث أقدم