عقوبات

مشاهدات




صباح الزهيري


من المعروف ان العقوبات الاقتصادية هي جملة التدابير والإجراءا الاقتصادية والمالية التي تفرضها دولة أو دول أو منظمات أو هيئات دولية أو إقليمية على دولة أو تنظيم أو شركة أو غيره على خلفية القيام بأعمال عدوانية أو تهديد للسلم الدولي، أو لحمل ذلك الطرف على تقديم تنازلات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية . لقد تسببت العقوبات الغربية للعراق في إلحاق أضرار اقتصادية وإنسانية وصحية وتعليمية بالغة بالعراقيين، ووصفت تأثيراتها بالكارثية في المجالات الإنسانية ، حيث أدت إلى وفاة أكثر من مليون ونصف من العراقيين -من بينهم نحو نصف مليون طفل- وحرمت العراقيين لأزيد من عقد من الزمن الحصول على حاجاتهم من الغذاء والدواء . هناك جدل محتدم حول فعالية العقوبات سواء الدولية او الأميركية وتساؤل عما اذا كانت هذه العقوبات تستخدم كورقة لتحقيق مصالح سياسية ، وتشتيت الرأي العام حولها، أو لمصالح انتخابية؟ وأبسط مثال على ذلك صفقة الرهائن بين واشنطن وطهران .

 

تتضمن صفقة الاتفاق الأميركي الإيراني إفراج الولايات المتحدة عن مبلغ 6 مليارات دولار مقابل إطلاق إيران سراح 5 رهائن أميركيين ، احتدم النقاش بالولايات المتحدة عن الدوافع والتوقيت , وما يهمني هو الفعالية لهذه العقوبات فالأميركيون يقولون  انها صفقة إنسانية وأن الأموال التي سيفرج عنها هي أموال مشروطة الصرف ، بمعنى أن إيران لن تستطيع استخدامها بتسليح الميليشيات ، أو الجماعات التابعة لها بالمنطقة، وإنما فقط للداخل، وتصرف على سلع مشروعة, اي ان هذه الأموال التي يفرج عنها ستستخدم لشراء سلع غير مقاطعة ولكن سرعان مايتبادر الى أذهاننا البسيطة ان الأموال الأيرانية التي كانت مخصصة سابقاً لتلك السلع غير المقاطعة ستستخدم للنشاطات غير المشروعة واذا كنا نحن السذج أثرنا هذا التساؤل ماذا عن خبراء السياسة والاقتصاد في الدول المعنية، ومنها الولايات المتحدة إذن السؤال الآن هو : هل باتت العقوبات لعبة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة ؟ دعوني أوضح مثالا واقعيا عن خفايا السياسة الدولية أكتشفته خلال فترة عملي في مابوتو عاصمة موزمبيق في الفترة (1980 - 1982) , تسنى لي وقتها أن أزور وأطلع على معظم مناطق دول جنوب أفريقيا .. كانت جنوب أفريقيا الدولة الرئيسية في المنطقة بسبب غناها بمناجم الذهب والماس والفحم , وقوة صناعاتها وبالتالي أقتصادها المتين الذي يكاد يصل الى مستوى الدول الأوربية حينها , ... كانت هذه الدولة تعيش تحت عقوبات أقتصادية أممية خانقة وبموجب قرارات صادرة عن مجلس الأمن بسبب نظامها العنصري..... لفت نظري ان جميع دول المنطقة بما فيها جنوب أفريقيا ليس لديها بترول ولكنها كلها أي موزمبيق وملاوي وزامبيا وزمبابوي وأنغولا وبوتسوانا وسوازيلاند وليسوتو وحتى تنزانيا تستورد الكهرباء والمشتقات النفطية من جنوب افريقيا المحاصرة والتي لاتملك قطرة بترول في أراضيها فمن أين جاءها البترول الذي يدخل معامل بتروكيمياوياتها ؟ وكانت كل دول العالم تعلن التزامها بالحصار ؟ كان العراق حينها مناصرا قويا لنضال الشعب الجنوب أفريقي وكانت زوجة نلسون مانديلا المسجون وقتها غالبا ماتتردد على سفاراتنا في هذه الدول وتتلقى وحزبها المساعدات الداعمة بحكم الموقف الأنساني المتقدم لنظام الحكم في العراق ...مما حدا للبحث في أسرار كسر الحصار النفطي ومن هي الدولة او الدول  التي تتجرأ على عقوبات مجلس الأمن ؟

 

خلال عمليات البحث تأكدنا من عدم وجود دولة تجازف بسمعتها وتكسر الحصار بسبب قوة التعاطف والتضامن العالمي مع نضال الشعب الجنوب أفريقي ...لا المعسكر الغربي ولا الشرقي ولا دول عدم الأنحياز في وارد التعاون مع النظام العنصري ....أستطعنا ان نتعمق في التحقيق بهذا السر الغامض الى أن توصلنا الى الحقيقة خلال تواجدي في مملكة ليسوتو وهي دولة تحيطها جنوب افريقيا من كل جوانبها...حيث التقيت أحد مدراء الشركات من الجالية الهندية هناك الذي كشف سرا لم يخطر على البال ....كانت خطوط ناقلات النفط المار من دول الخليج العربي بأتجاه أمريكيا الجنوبية وأمريكيا اللاتينية تستدير عبر راس الرجاء الصالح في طريقها الى هناك ... قسم من هذه البواخر تقوم بعملية مناورة وخداع للبائعين , عندما يدعي قبطانها عند عبوره المحيط الهندي الى المحيط الأطلسي بوجود عطل في سفينته يستدعي الذهاب الى أقرب ميناء فتأتيه أوامر الدولة الشاحنه للنفط بالموافقة على صعود السفينة الى الدوك للتصليح ومن الطبيعي أن يتم تفريغ السفينة قبل صعودها الميناء في كيب تاون وهنا تقوم المصافي الجنوب أفريقية بشراءه بسهوله من بائعيه المضطرين وان هذه العملية كانت تتم بأنتظام وأستمرار وأن شركات النفط الكبرى هي التي كانت تشرف وتنسق ذلك بما يكفي المصافي الجنوب أفريقية التي تغذي كل بلدان المنطقة ..... بلعنا الموضوع ولم نستطع فضحه لأنا اكتشفنا أن الشحنات كانت أيرانية وكويتية وسعودية وحتى عراقية أي أشد الدول التي تدعو للألتزام بالمقاطعة .....


تعليقات

أحدث أقدم