جدار أميركي يقطع " الهلال الخصيب "؟

مشاهدات



وليد فارس


 

"داعش" تمدد فجأة جارفاً الميليشيات المؤيدة لإيران بالإضافة للجيشين العراقي والسوري ومهدداً الأكراد وسائر الأقليات الدينية

 

مع  ازدياد التحركات العسكرية الأميركية غرب العراق وشرق سوريا ، بخاصة مع انطلاق عمليات تموقع جديدة تتمدد بين الحدود التركية والحدود الأردنية ، يمكن القول من موقع مراقب إن شيئاً جديداً يتطور على طول الحدود العراقية - السورية قد يكون له تأثير كبير على ميزان القوى في الشرق الأوسط، ولا سيما في منطقة "الهلال الخصيب" من إيران إلى العراق فسوريا ولبنان إلى الأردن فإسرائيل والأراضي الفلسطينية ، إلا أن الأسئلة تتراكم بسرعة: لماذا هكذا تطور؟ ما ستكون نتائجه ؟ هل ظروفه مواتية ؟ هل المنطقة مستعدة له؟ فلنحاول الرد عليها ولو جزئياً .

 

الاستراتيجية الخمينية : جسر إلى المتوسط
تاريخياً مع توقيع المعاهدة الاستراتيجية بين نظامي الخميني وحافظ الأسد عام 1980، برزت فوراً إرادة مشتركة "للمحور الجديد" تهدف إلى فتح طريق استراتيجي بين طهران ودمشق، وعملياً بين "الجمهورية الإسلامية" والبحر المتوسط ، وكان واضحاً أن الهدف المشترك كان بجرجرة صدام حسين إلى شنّ حملة ميدانية داخل الأراضي الإيرانية للإطباق على قواته ، وشنّ هجوم معاكس يدخل العراق ، بخاصة البصرة ، ويتقدم عبر الأنبار ليلتحم مع قوات الأسد على حدود سوريا الشرقية ، فيقوم جسر جيوسياسي بين إيران وسوريا، إلا أن نتيجة الحرب العراقية - الإيرانية لم تأتِ لمصلحة أي من الطرفين، واستمر نظام صدام. ولم تمرّ سنتان إلا وتمّ استدراج القيادة البعثية العراقية إلى اجتياح الكويت، ولم تكن أيدي إيران الخفية بعيدة عن استدراج الرئيس حسين لابتلاع "المحافظة الـ 19" ومحاولة ضمها ، وكان الظنّ في طهران أن التحالف الدولي سيسقط النظام في بغداد عام 1991، فتدخل الميليشيات الشيعية المؤيدة للخميني إلى بغداد، وتفتح الجسر إلى سوريا، إلا أن نهاية حرب الخليج الثانية بقيادة جورج بوش الأول لم تحسم لمصلحة إيران على رغم أنها أنهت التفوق العسكري للعراق، فسقطت المحاولة الإيرانية الثانية لإقامة الجسر عبر "الهلال الخصيب"، أما المحاولة الثالثة فنجحت عندما أقنع لوبي المعارضة العراقية في المنفى، ومن ورائه حلفاء طهران، إدارة بوش الابن، باجتياح العراق "للرد على هجمات 11 سبتمبر (أيلول)". فعادت المجموعات الشيعية المؤيدة للخميني إلى بغداد وبدأت اجتياحها السري كما أوضح النائب الأوروبي باولو كاساكا في كتابه The Secret Invasion of Iraq، فبدأ الجسر الإيراني إلى سوريا يتحقق تدريجاً، وبات حقيقياً مع انسحاب إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما من العراق نهائياً في أواخر 2011، فباتت القوافل والأسلحة الإيرانية تتنقل بين طهران وضاحية بيروت الجنوبية على الطريق السريع، وباتت المنطقة "إمبراطورية خمينية" من حدود أفغانستان إلى شرق المتوسط .

 

"داعش" تقطع "الهلال"
إلا أن "الهلال الإيراني" لم يدم طويلاً، إذ إن تنظيم "داعش" تمدد فجأة في البلدين جارفاً الميليشيات المؤيدة لإيران بالإضافة للجيشين العراقي والسوري ومهدداً الأكراد وسائر الأقليات الدينية في المنطقة، وخافت طهران من تقدم "داعش" إلى بغداد والحدود الإيرانية، وارتبكت لسقوط الجسر مع الأراضي السورية، فاضطرت لقبول عودة القوات الأميركية إلى شطري "الهلال الخصيب" لتضرب "الدواعش" وتزيل هذه الميليشيات كجدار تكفيري يفصل بين دمشق وطهران، وكما حيال صدام استفادت إيران من الحملة العسكرية الأميركية ضدّ "الخلافة الداعشية" في بلاد النهرين وبادية الشام، لتدمر عدوها من ناحية ولكي تتسلم المناطق التي تتحرر من "داعش" فتسلّمها من جديد إلى الميليشيات الإيرانية، واستمرت الحملة على "داعش" بقيادة واشنطن حوالى خمس سنوات استمر خلالها إغلاق الجسر أمام المحور الإيراني، حتى تم تدمير الخلافة عسكرياً بشكل كامل مع إخراج "الدواعش" من الموصل والرقة ومن المثلث السني في العراق وبادية الشام في سوريا، ومع سقوط "داعش" تراكضت كل القوى التي قاتلتها لتسيطر على مخلفاتها على الأرض، فسيطرت طبيعياً القوات الأميركية والحلفاء على أكبر المساحات استراتيجياً ولكن بشراكة مع القوى كافة إلا الميليشيات الإيرانية والجيش السوري، وسيطرت قوات "البشمركة" على الجزء الشمالي للحدود المشتركة من ناحية العراق، كما سيطر الجيش العراقي و"الحشد الشعبي" على الأراضي العراقية التي انسحب منها "داعش" جنوب كردستان العراق حتى الحدود مع الأردن، وتقدمت "قوات سوريا الديمقراطية" على طول الحدود المشتركة جنوباً حتى نقطة البوكمال، أما في الجنوب فتموقعت القوات الأميركية وحلفاؤها انطلاقاً من قاعدة "التنف" وصولاً إلى الحدود الأردنية. ماذا حدث بعد انحسار "داعش"؟

تعليقات

أحدث أقدم