مبادرة السعودية فرصة ذهبية لحفظ ماء وجه بايدن في الازمة الاوكرانية

مشاهدات



بقلم : رامي الشاعر

 

 

منذ أيام ، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المملكة العربية السعودية تستعد لاستضافة محادثات سلام  بين الدول الغربية وأوكرانيا بما في ذلك الهند والبرازيل ، أغسطس الجاري، بهدف أن تتوج هذه الجهود بما يمكن تسميته بـ “قمة سلام” يمكن أن تشكل إطاراً لمحادثات سلام مستقبلية مباشرة  بين موسكو وكييف . تأتي تلك الجهود عقب اجتماع لكبار المسؤولين في كوبنهاغن ، أواخر يونيو، حضرته البرازيل والهند وتركيا وجنوب إفريقيا ، وحضره كذلك مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ، وكذلك عقب قمة روسيا إفريقيا التي عقدت مؤخراً في مدينة بطرسبورغ ، وحضرتها جنوب إفريقيا والدول الإفريقية صاحبة مبادرة السلام الوحيدة ، التي حظيت بموافقة طرفي النزاع روسيا وأوكرانيا . وقد دعت المملكة 30 دولة ، دون أن يتضح بعد عدد الدول التي ستحضر ذلك الاجتماع ، دون أن تتم دعوة روسيا ، بينما أعلن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الجانب الروسي سيراقب الاجتماع المزمع عقده في السعودية عن كثب ، مشيرا إلى ضرورة استيضاح أهدافه ومقاصده . كما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميللر أن واشنطن تؤيد إجراء مفاوضات متعددة الأطراف حول أوكرانيا في السعودية ، فيما أكد أن المسؤولين الأمريكيين يعتزمون المشاركة فيها ، وأشار إلى أن واشنطن تعطي الأولوية لضمان تمثيل كييف في المناسبات التي يتم فيها بحث حل دبلوماسي للنزاع الأوكراني . تساءلت وسألني كثيرون حول السبب وراء عدم دعوة روسيا إلى مثل هذا الاجتماع، لأجد أن ذلك يبدو منطقياً للغاية، ذلك أن موقف روسيا واضح ومعلن ولا يتزعزع، وتم الإعلان عنه في اليوم الأول لبدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، والتي لم يكن هدفها عسكرياً، بقدر ما كانت تهدف، ولا زالت تهدف إلى إنهاء الحرب الدائرة منذ 2014 . 

 

أقول إن هدف العملية العسكرية ، فبراير 2022، كان تحريك المياه الراكدة، والتي انتهت بطريق مسدود لاتفاقيات مينسك، التي تعامل معها زيلينسكي وفريقه ، وقبله بوروشينكو، باستهتار واستهانة ، فكان السبيل إلى التوصل إلى حل هو التأكيد على أن روسيا جادة في حمايتها لأمنها القومي ابتداءً، وحماية مواطنيها وأهلها في الدونباس ثانياً، وترغب في وضع مستقر آمن في عموم القارة الأوروبية ، ولن تقبل بتمدد “الناتو” شرقاً حتى حدودها، وضمّه لأوكرانيا . لم ترغب روسيا حتى في ضم الدونباس أو زابوروجيه أو خيرسون ، بل كان الخط الأساسي، قبل فبراير 2022، وحتى مفاوضات أبريل 2022، هو الحفاظ على وحدة الأراضي الأوكرانية ، والسيادة الأوكرانية على الأراضي في جنوب وشرق البلاد، ولكن مع منح تلك المناطق وضعاً خاصاً فيما يتعلق بحقوق السكان في تقرير مصيرهم ، والحفاظ على ثقافتهم وتعليمهم ولغتهم وأصولهم الروسية، هذا كل ما في الأمر . إلا أن الأمر تفاقم وتدهور ليس فقط بدخول “الناتو” على الخط ، وإنما بوجود الغرب و”الناتو” في أوكرانيا منذ 2004 ، ولم يكن الانقلاب في 2014 ، وما تلاه من اتفاقيات مينسك إلا محاولات لكسب مزيد من الوقت للاستعداد للمواجهة الكبرى مع روسيا، مواجهة “الناتو” بأيدي أوكرانيا، كما أسلفت في مقالات سابقة . إن ما تمخضت عنه العمليات العسكرية فيما بعد، والتعليمات الغربية التي صدرت لأوكرانيا بعدم التفاوض، وبالمواجهة العسكرية ، مهما تكلف الأمر من دمار ودماء (أوكرانية بطبيعة الحال) ، دفع نحو استفتاء داخل الأراضي التي أصبحت تحت سيطرة روسيا ، والتي يقطنها أغلبية روسية ، ناهيك عن أنها تاريخياً روسية، وهو استفتاء شرعي جرى وفقاً لما جرت عليه الأعراف والقوانين الدولية، وشارك فيها سكان تلك المناطق، وعبروا عن رغبتهم في الانضمام إلى روسيا. وذلك عقب 8 سنوات من الملاحقة والقمع والتعذيب والقتل والتنكيل . لذلك أقول إن موقف روسيا واضح ، وطلباتها واضحة، وهي حياد أوكرانيا، واستناد المفاوضات للحقائق الأخيرة على أرض المعركة، وليس كما يتمنى البعض بالعودة إلى حدود عام 1991، أو حتى عام 2022 . فقد قالت الحرب كلمتها، ولم تغير أسلحة “الناتو” من وضع الجيش الأوكراني، ولا من هجومه المضاد. وحتى بعد توفير كل راجمات “هيمارس” وصواريخ “ستورم شادو” ودبابات “ليوبارد” ومنظومات الدفاع الصاروخية “باتريوت”، فإن الهجوم الأوكراني الأخير أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 25 ألف جندي أوكراني ، وتدمير ما يقرب من 100 بطارية و2000 آلية عسكرية من بينها معدات من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وبولندا . لهذا، ربما تنجح المملكة العربية السعودية هذه المرة مجدداً، بعد نجاحها يوماً في صفقة تبادل الأسرى، في حلحلة الأمور، وربما تكون تلك فرصة ذهبية تمنحها المملكة لبايدن وزعماء “الناتو” للحفاظ على ماء الوجه، والخروج من الورطة التي دفعوا فيها بكبش الفداء أوكرانيا، ومعها أوروبا، بل والعالم أجمع، إلى حيث نقف اليوم على أعتاب الحرب العالمية الثالثة . ظني أن المملكة العربية السعودية تعي تماماً الموقف الروسي من القضية، وتدرك أنه غير قابل للنقاش نهائياً، فيما تكمن المشكلة الأساسية في وقف جنون وتعنت الإدارة الأمريكية، وبعض زعماء “الناتو” ممن قرروا الاستمرار في مخططاتهم لإضعاف روسيا وعرقلة مسيرة الانتقال إلى الأجواء الدولية الجديدة لنظام التعددية القطبية وسيادة القوانين الدولية المثبتة في ميثاق الأمم المتحدة، والحفاظ على حقوق الدول وشعوبها وحقها في تقرير مصيرها والمساواة بين الدول ذات السيادة . 

 

لقد فشلت كل المخططات والأوهام التي صورتها كوادر الطابور الخامس من “المعارضة”، وكأن روسيا “على وشك الانهيار”، وأن المجتمع الروسي “يغلي بانقلابات وثورات وتوترات”، فلا مظاهرات خرجت، ولا مجتمع تمرد على قيادته، بل تمام العكس، التف الشعب الروسي حول قيادته، ولم يكن هناك من خاسر سوى أوكرانيا، التي لم تتمكن من الحفاظ على دونباس، وخسرت مناطق كان من الممكن أن تظل في حوزتها، مع الاعتراف بوضعها الخاص، وكان من الممكن أن تكون دولة حيادية، وألا تمثل خطراً على الأمن القومي الروسي، لولا رغبة الأمريكيين في الدفع بالأمور نحو حافة المواجهة . أصبح من الواضح تماماً أنه لا حلول سحرية أمام الغرب، مع كل الأسلحة التي يوفرها لأوكرانيا، لا سيما مع كم مهول من صفقات الفساد، والفضائح، والخلافات. وأصبح جلياً أن ضخ الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا لن يؤدي سوى إلى إطالة أمد الأزمة، وسقوط مزيد من الضحايا. وإذا استمرت الأمور على نفس المنوال، أتوقع أن ينتهي الجيش الأوكراني بالكامل خلال عام واحد من الآن. فلن يكون هناك مزيد من البشر، وسوف تستهلك الولايات المتحدة الأمريكية فعلياً أوكرانيا حتى آخر قطرة دماء وآخر جندي أوكراني. ربما تكون منصة السعودية هي المنصة التي ستشهد استيعاب “الناتو” لحقيقة أن روسيا لا ولن تهزم، وأنها مستعدة عسكرياً لمواجهة “الناتو”، وأن المواجهة المباشرة مع “الناتو” ستدمر أوروبا، حتى بدون استخدام الأسلحة النووية . أعتقد أن إنقاذ الوضع لم يعد سوى بيد الولايات المتحدة الأمريكية، التي أنصحها أن تستغل المبادرة السعودية للخروج من المأزق وحفظ ماء الوجه، ولم تعد هناك خيارات أخرى . على حلف “الناتو” أن يقنع القيادة الأوكرانية بوقف إطلاق النار، والبدء الفوري للانسحاب من جميع المناطق التي أصبحت تحت سيطرة روسيا، ولن توافق روسيا سوى على تحقيق نتائج عمليتها العسكرية الخاصة، بالسيطرة الكاملة والمطلقة على كل شبر من التراب الروسي، بما في ذلك الأراضي التي صوّت سكانها الروس على الانضمام إلى روسيا في استفتاء شرعي نزيه شفاف . كلي يقين أن كثيراً من الدول الثلاثين الذين تمت دعوتهم، بما في ذلك البعض في “الناتو” قد أصبحوا يدركون أنه لم يعد هناك حل سوى ذلك الخيار، لا سيما أن روسيا لم تعلن الحرب على أوكرانيا، ولا ضد “الناتو”، في الوقت الذي يخوض فيه الحلف حرباً هجينة ضروس ضد روسيا منذ عقود، وصلت إلى محطها الأخيرة الساخنة بواسطة أوكرانيا . لقد ارتكب الغرب جرائم لا تغتفر بحق الشعبين الشقيقين الروسي والأوكراني، ولا تقتصر تلك الجرائم فقط على توفير الأسلحة والذخيرة للعمليات القتالية على شراستها، وإنما، وقبل ذلك باتخاذ البرلمان في كييف قراره بمنع تداول اللغة الروسية في أوكرانيا، في الوقت الذي تبلغ نسبة المتحدثين باللغة الروسية في البلاد 40%، ونصف العائلات تقريباً في أوكرانيا مختلطة بالدم الروسي بالزواج والمصاهرة، فيما يتقن الجميع اللغة الروسية إلى جانب الأوكرانية. ثم ما زاد وغطى ما استصدره الرئيس الأوكراني من مرسوم يمنع أي حوار مع روسيا. أرى أن على المجتمعين أن يتذكروا بعضاً من هذه الجرائم، وأن يدينوها قبل السعي إلى التوصل لوقف إطلاق النار والانسحاب الفوري من الأراضي التي عادت إلى حضن الوطن الأم روسيا .

تعليقات

أحدث أقدم