سعد الكبيسي
في القطار المتجه من فرنسا إلى إنكلترا، كانت تجلس امرأة فرنسية تبدو عليها علامات التوتر بجوار رجل انكليزي سألها الرجل الإنكليزي : سيدتي ، ما شأنك تبدين في غاية التوتر والقلق ؟
فقالت له : بصراحة ، أحمل معي عشرة آلاف دولار، وهو أكبر من المبلغ المسموح إدخاله إلى إنكلترا !
فقال لها : اقسمي المبلغ بيني وبينك، فإنَّ أحدنا لا شك سيفلتُ من الجمارك، واكتبي لي عنوانك، وأعدك أن أوصلها لكِ . وثقت المرأة بجارها الإنكليزي في المقعد المجاور، وقسمت بينهما المبلغ ، وعند وصول القطار اجتازت المرأة الجمارك دون عناء، عندها صاح الرجل الإنكليزي الذي لم يحن دوره عند الجمارك قائلاً للضابط :
سيدي الضابط، هذه المرأة تنقل الأموال إلى إنكلترا ، وأعطتني نصف المبلغ وها هو خمسة آلاف دولار، ومعها خمسة أخرى وأنا رجل لا أخون وطني !
فتشوا المرأة وصادروا مالها، وشكر الضابط الرجل الإنكليزي على وطنيته ، وتمنى لو أن جميع المواطنين مثله !
بعد يومين قرع باب السيدة الفرنسية، فإذا هو الرجل الإنكليزي الذي وشى بها. قالت له: " أنت، ماذا تريد، ألا يكفي ما فعلته في الجمارك ؟ عندها أخرج لها مغلفًا .
وقال : خذيه ، يوجد به خمسة عشر ألف دولار، وسامحيني كانت الوشاية بك هي الطريقة الوحيدة لأدخل شنطتي التي فيها مليون دولار إلى البلاد !
هذا الرجل الإنكليزي يوجد منه في بلادنا ملايين النسخ العربية، تراهم ليل نهار يتشدقون بحب الوطن، وهم يسيؤون إليه أكثر مما يسيء إليه أعداء الوطن الخارجيين، وهم على الوطن أخطر من كل أعداء الخارج . الوطن عندهم ليس إلا خزنة للنهب، ومال عام محلل للسلب، وتجدهم ليل نهار يوزعون صكوك الوطنية على من شاؤوا، ويحرمون منها ما شاؤوا . وليثبت أنه وطني فلا بد أن يصفك بالخائن المتربص بالوطن شرًا ، هؤلاء أول من يقفر إذا أوشكت السفينة على الغرق، ولولاهم أساسًا ما غرقت!
إرسال تعليق