رامي الشاعر
كاتب وباحث ومحلل سياسي
منذ بدايات القرن العشرين وصف عالم الجيوبوليتك الأمريكي ألفرد ماهان ( 1840- 1914) روسيا بـ " قلب الأرض الأوراسي" بسبب امتلاكها امتداد جيوبوليتكي على سواحل وبحار القارتين الأوروبية والآسيوية ، ماجعلها - أي روسيا- قلعة يصعب اقتحامها . بالرغم من ذلك لم تنتهج روسيا عبر تاريخها الطويل سياسة التوسع ، إذ لم تذهب روسيا يوماً لاحتلال بلد مهما كان ضعيفاً ، وبالتالي لم يكن لها أي مطامع في الشرق الأوسط والمنطقة العربية على شاكلة الاحتلالات البريطانية والفرنسية ، قبل أن تتحول موازين القوى بعد الحرب الثانية لصالح الولايات المتحدة التي ظلت في حرب باردة مع الاتحاد السوفياتي السابق ، الذي ساعد على الإبقاء على الدولة الوطنية في المنطقة العربية . في مواجهة ذلك ، طرح منظر الواقعية السياسية رينهولد نيبور (1892- 1971) فكرة " أن من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على أوروبا" ومن هنا بدأ استعداء الدور الروسي في المنطقة ، ولم يشفع للاتحاد السوفياتي انتصاره على النازية وما قدمه من تضحيات وصلت لأكثر من 26 مليون ضحية .
مع تفكك الاتحاد السوفياتي وتفرد الولايات المتحدة بعد هذه المرحلة بالعالم ، بدأت سلسلة التدخلات والاحتلالات للمنطقة العربية من خلال المشروع الذي طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس والمعروف بـ " الشرق الأوسط الجديد" الذي انتهى بأبشع كارثة دفعت وتدفع ثمنها المنطقة والعالم إلى يومنا هذا بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق ، والجميع يتذكر الموقف الروسي المعارض بشدة في مجلس الأمن الدولي لهكذا مخاطرة أمريكية ، وقد تأكد ذلك عندما أصبح العراق " مفرخة" للحركات الجهادية التي اشتغلت على فكرة الخلافة والجهاد المستمر ومقدمة للانفراط عقد الدولة القطرية وتفكيكها والاقتتال بين أبنائها ، بدءاً من العراق وانتهاء بسوريا التي ترزح اليوم تحت ثلاث سلطات لحكومة وشعب يرزح تحت عقوبات اقتصادية تقتل الشعب يؤازرها فساد في مناطق الحكومة السورية ، وجماعات متطرفة في الشمال لا علاقة لها بأي تغيير يليق بتطلعات السوريين ، وسلطة أمر واقع تستقوي بالأجنبي المستعد للتخلي عنها بأية لحظة .
الموقف الروسي في سوريا بين أعوام 2011- 2015 : الاحتجاجات شأن داخلي بالرغم من التوغل الغربي في سوريا ومآلاته
مع اندلاع احتجاجات السوريين التي تعبر عن رغبة جزء كبير من الشعب السوري للتغيير في سوريا سنة 2011 ، اعتبرت روسيا ما يحدث في سوريا شأناً داخلياً، لهذا لم تتدخل حتى العام 2015 . كانت روسيا تدرك التدخلات الخارجية وتعرف الدول التي استحوذت على الملف السوري دون أن تتدخل بالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي كان يتحدث عن فكرة " التوازن على الأرض بين النظام السوري والمعارضة المسلحة" التي كانت مدعومة يومها من الأمريكان . ولم تتدخل روسيا أيضاً بالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي تحدث عن " بلقنة سوريا وتفكيكها كحل لمشكلات المنطقة". بالرغم من ذلك كانت روسيا تنظر بعين الدولة التي تتأمل أن يكون للسوريين رأيهم وقراراهم في مواجهة ما يحاك لبلادهم . لذا اكتفت بلقاء غالبية مكونات المعارضة السورية لتسمعهم رأيها، عسى أن يخرجوا بحل سوري يبعدهم عن شبح ما يحاك لهم . حتى هذا التاريخ كانت روسيا مجرد ناصحة من أن يسقط السوريون في أتون المشروع الذي يعمل على التوازن ، وبالتالي الإبقاء على النظام وتدمير سوريا وهو ما حصل بالفعل .
سؤال : مالذي فعله اصدقاء سوريا من الأمريكان والغربيين لسوريا قبل 2015 سوى تسليم ثلثي سوريا لداعش وجبهة النصرة .
ثمة سؤال كبير نطرحه نريد الإجابة عليه من قبل أولئك ضحايا الشعبوية التي استعدت الدور الروسي في سوريا: ما الذي فعله ما سمي بـ " اصدقاء سوريا من الأمريكان والغربيين لسوريا قبل التدخل الروسي 2015 سوى أنهم اغتالوا الحراك المدني السوري وسلموا ثلثي مساحة سوريا لداعش وجبهة النصرة . أتمنى أن يعود الجميع إلى وضع سوريا ما قبل 2015 حيث عواصم الخلافة ومناظر الرؤوس المقطوعة والأجساد المصلوبة في الشوارع ، وهو ذاته المشروع الذي أصبح يهدد العاصمة لتسقط البلاد في أتون صراعات بينية بين الجماعات الجهادية التي كانت تتقاتل فيما بينها على الغنائم ، فكيف لو سقطت الدولة برمتها .
روسيا والموقف من الأسد .
أما عن موقف روسيا من الأسد، فهو لا يشبه - بالتأكيد - التصريحات الأمريكية التي تقول على العلن بأنها لا تعمل على تغيير النظام السوري ولكن تغيير سلوكه فقط ، كموقف غريب ومعوم وباهت . بالمقابل فإن موقف روسيا اثبتته الخمس سنوات الأولى من الحراك الجماهيري - أي قبل تدخل روسيا في العام 2015- ما يثبت أن روسيا كانت مع خيار السوريين، وهو الخيار الذي تاجر به البعض ممن يهاجمون روسيا الآن وباعوه لأصدقائهم الغربيين الذين بدل أن يعطوا السوريين الحرية والكرامة ، فقد أعطوهم داعش وجبهة النصرة لتسيطر على سوريا ، وبما يحول دون أي حل ويسمح بتدمير البلاد والعباد .
روسيا وصياغة القرار 2254.
في 18 كانون أول 2015 جلس ممثلو الولايات المتحدة وروسيا على طاولة واحدة ، ودافعت روسيا عن صياغة خارطة سلام في سوريا ، تبدأ بتشكيل جسم انتقالي يقود التغيير في سوريا استناداً لنص المادة 4 من القرار، كما تضمن القرار ذاته محاربة الجماعات المصنفة إرهابياً ، على اعتبار أن لا تطبيق للقرار قبل القضاء على هذه الجماعات بما يؤسس لعملية سياسية تشمل كل الأراضي السورية ، ومن هذه النقطة بالذات بدأت روسيا بتصفية الجماعات المتطرفة كمطلب شعبي سوري أولاً ، وليس مطلباً للواهمين أو الشعبويين أو الذباب الالكتروني الذي يقف داعماً لهذا الفكر المتطرف والغريب عن بنية المجتمع السوري . لعبت الخطابات الشعبوية التي قادها الذباب الإلكتروني للجماعات المتطرفة بتحويل روسيا عدوة وكأن روسيا هي من تسيطر على مقدرات الشعب السوري في شمال شرق البلاد، أو أنها - أي روسيا- هي من احتلت العراق أو أنها هي من زرعت إسرائيل كمخفر أمامي وخنجر في خاصرة المنطقة العربية لاستنزافها . أو كأن روسيا هي أطلقت اليوم يد اسرائيل لتصول وتجول في شمال شرق سوريا وتستحوذ على ثلث النفط هناك ، وتقصف الأراضي السورية بشكل شبه يومي كما حدث يوم أمس بقصف مطار حلب وإخراجه من الخدمة .
"الإسلامويون" من تشويه الإسلام وسرقة مطالب السوريين إلى تشويه روسيا .
استقبلت روسيا جميع أطياف المعارضة السورية بكل مكوناتها الرسمية وغير الرسمية ، مع دراية روسيا بإن إرادة هؤلاء مشلولة لجهة من يسيطر فعلياً عليهم وعلى الأرض سواء في الشمال الشرقي حيث النفوذ الأمريكي، أو الشمال حيث سيطرة ما يعرف بـ " هيئة تحرير الشام" التي مازال زعيمها المدعوم غربياً يطمح للعب دور في مستقبل سوريا بالاستحواذ على خلافة - ولو في إدلب على أقل تقدير- ما يمنع قيام أي حل سياسي أو دولة سوريا موحدة . الحالتان مع اختلافهما في النهج إلا أن المحرك واحد والغاية واحدة . دعوني أعترف بأن ذنب روسيا الوحيد أنها لا تجيد اللعب من تحت الطاولة كهوية وعقيدة سياسية روسية متجذرة ، كما لا تجيد دس السم في الدسم وأن جميع اوراقها على الطاولة غير توسعية تاريخياً .
ختاماً أقول : ليس دفاعاً عن روسيا ولكن دفاعاً عن الحقيقة والموضوعية ، أما آن لكم أيها البعض الواهمون يا ضحايا الشعبوية، البعيدون عن المنهج والتفكير والرؤية السياسية الحقة، أما آن لكم أن تتوقفوا عن رمي خطاياكم على غيركم .
أيها البعض ارحموا وطنكم واستبصروا .
إرسال تعليق