مقال مستوحى من محاضراتي في تطوير التعلّم والتعليم / معهد التدريب والتطوير التربوي التابع لوزارة التربية العراقية .
عالية محمد علي .
منذ طفولتي كنت قارئة نهمة , ربما قرأت دون فخر مئات الكتب والأصدارات ولكل الثقافات وبكل تنوعاتها وحتى الخربشات على الجدران , وما كان ليفوتني أحياناً حتى ما ينشر على شبكات التواصل الأجتماعي من كتابات على جدران العقل أو القلب , عيني تبحث عن أي حرف له نية الأرتباط بحرف آخر ليكوّن كلمة مفهومة . القراءة كهاجس والتعلّم كهدف يحكمان حياتي بقبضة من نار متوهجة إن لسعت او أضاءت , لا يهمني . المهم حاولت جاهدة أن أفهم عن طريق القراءة لغة الحياة التي تبدو معقدة أو مركبة أو بسيطة وفقاً للكثير من المعطيات . حاولت فهم العالم بعيدأ عن التنظير السقيم ونظريات العلماء والفلاسفة وقصص الخلود .
كانت الصفحات تمرّ على يومي كما يمرّ صحن الطعام , فللجوع صور متعددة لا يحكمها الرغيف وحده , مما ولّد لي فلسفة خاصة , كما للجميع بكل عناوينهم فلسفتهم الخاصة التي قد تنتج عن تراكماتهم الشخصية والتي قد يلغيها او يغيرها على حين غرة موقف بسيط , يقلب عالي القناعة سافلها . فلسفة قد تتولد عن الأيمان أو عدمه أو عن الأحتكاك بالظلم , الحق , العدالة , الفقر والغنى , أو الأشباع الغريزي أو الروحي للحاجات من عدمه . وجدت أن المطالعة تمدّ العمر الروحي بالأفكار الأيجابية التي نتدبرها مفكرين غارقين بالوحدة والتأمل ، ولا عُمر روحي لدينا بدونها . أستطعت الأستفادة من بعض الخرائط التي رسمتها ووجدت فيها ما يكفل لي القوة على مواصلة طريق الحياة بابتسامة دافئة . فكان لزوماً عليّ الألتفات لتخصيص وقت حرّ أخصصه للعناية بروحي . فتحررت من بعض التزاماتي وانفردت وعشت لوحدي بعض الوقت كل يوم ، أراجع أجندة عقلي وقلبي وخيالي ، وفي احيان متعددة كان مجنوناً هذا الخيال ، لا بأس , لأنه سيجعل مناعتي الجسدية والنفسية عالية ، فكرت بالماء وأنا أشربه وتخيلت كيف يروي أغصاني ، وتنفّس قلبي الهواء قبل رئتي ، وتناولت الطعام بعيني قبل فمي ، حاولت أن أضيف بعض دقائق التأمل ليومي كي أقوى على أبتلاءات الحياة . أطير مع فكرة مُبهجة , أو أرقب جناح طائر يرفّ , أو أتمعن بما حولي فأشعر بحبات السكر وهي تذوب في فنجاني . لم أكن لأقف على الأرض بقدمي فقط بل بتفكيري بفائدتهما لي , ووقفت على ساق واحدة لبعض الوقت فقط لأشعر بنعمة الساق الأخرى , مارست الرياضة وجعلت السيروتونين ( هرمون السعادة ) الذي يُفرز عند أجهاد العضلات وعند التعرّق , يدافع عني . كنت أنيقة ومعطرة طيلة الوقت , وكأنني مدعوة لحفلة , فحين يجتمع المظهر الجميل مع روح قوية ستبدو وكأنك قادم من كوكب أخر ينظر اليه الجميع بأعجاب وتعجّب . ثرثرت مع نفسي بعيدأ عن الضوضاء التي من حولي في العمل وكان عقلي اليقظ حارساً لي وسداً بمواجهة المؤثرات الصوتية والبصرية التي تلوث يومي وتُضعف مناعتي .
ايها الصديق القارئ الباحث عن المحصلّة لكل ما سبق .
عمرك الزمني سيكون قصيرأ أن لم يكن لك عمر روحي طويل ، كلما قضيت وقتاً لذاتك ستقضي عمراً أطول مع الأخرين ، مقدار صبرك على الوحدة والتفكر ستكون هي مقدار صبرك على مايعتري زمنك وزمن الأخرين ووفقاً لعقارب الساعة من ويلات وخيبات ، فلا راحة في الدنيا ، بل سعادة نسبية حاول أن تطيلها بعمرك الروحي المتين . لاتأكل فور شعورك بالجوع ، تمهل كي تشعر بعدها بمتعة الطعام أو لتشعر أن شعورك بالجوع كان زائفاً وربما تكتفي بقدح من الماء ، الوجبات الثلاث ليست قانوناً يومياً . إنتبه الى أن الموسيقى تساعدك على أجتياز بعض العثرات . ساعد روحك على النهوض بذات قدميك التي تمارس بها رياضة المشي , حاول ان تكون لك صداقة مع اللون والفرشاة وقم بمحاولات للرسم وتأمل اللوحات وحاول الامساك بفكرة الرسام ودراسة المغزى من اللوحة وأدرس محاولات اللوحة للخروج من الأطار . أكتب مشكلتك على ورقة وأرسم منطلقاً من قلب المشكلة سهاماً تكتب عليها بعض الحلول , أجعل روحك تخاطبك ففي ذلك فائدة كبيرة كي تكونا على صداقة دائمة وآستفتي قلبك في وضع الحلول . عمرك الزمني مرهون بهذا الأرتباط وهذه الصداقة مع عمرك الروحي , أضف سنوات الى حياتك وعمرك الزمني ولاتضيع فرصتك في التغلب على من يحاول كسرك ، وأحياناً ذاتك ذاتها تكون وسطاً مُعادياً , نتيجة الملل والخيبات والمحيط المحبط . كن جميلاً نشيطاً قويا في عالمك الخاص الذي سريعاً ما سينعكس على عوالم الأخرين . اخرج نورك الداخلي لينعكس على مرآتك الخارجية وليتفق محورك الطولّي مع محور الأرض .. كن كوكباً في زمن النجوم التي تأفل سريعاً .
إرسال تعليق