محنة المثقف

مشاهدات



صباح الزهيري

 

تعالوا أحدثكم عن العراق المدمر بشتى الأحتلالات ... لنتحدث بعدها عن دور المثقف : بعد 2003  ورغم الإحساس بالظلم والهزيمة الا ان المثقف الحقيقي والمبدئي استمر بالتعلق بهويته الوطنية كحبل انقاذ , ولكن مع حركة أستهدافه وسحقه واقصائه برز بلا شك المثقف الطائفي كبديل، وأصبح يسقي حسابه يوميًا بالعديد من الآراء التي تضلل أكثر مما توضح . ويبدو لي ان هذا المزيج المخيف من المشاعر يعكس ما حدث لجيل برمته من الوطنيين لا لشخص واحد فحسب . 

 

لقد ران على قلوب الكثيرين من الخزي الأكبر ( خزي الاحتلال ) , ما جعلهم لا يقيمون وزنا لخزي من ذلك النوع الذي سرى , لقد أصبح  نوع الظروف العامة مؤديا الى تغيير الكثير من الأفكار والعادات والقيم , فأصبح للوطنية تعريف آخر , ليس هو التعريف الحقيقي لها . وأصبح من الوأد ان تكون مجبرا كل يوم ان تثبت لحفنة حثالة يوزعون صكوك الوطنية وتهم الخيانة انك تحب وطنك اكثر منهم , وان القطعان لا تبني اوطانا وان المجد احيانا لمن قال : لا . لم يتخلى المثقف الوطني عن بلده ومشاكلها ولم يفعل بالعراق وشعبه ما فعلته طغمة الفساد والفشل واللصوصية والقتل من تدمير حاضر البلاد ومستقبلها .. لم يلغ المثقف بدماء العراقيين كما ” لاغ” بها المنافقون الذي يقتلون بيد برفعون الشعارات البرّاقة الكاذبة بيد اخرى ! الروائي الكولومبي الراحل ماركيز عرّى سلطة بلاده كولومبيا ومرّغ فيها التراب وكان شوكة في خاصرة دكتاتورييها ، الا انه حين عاد الى بلاده استقبله وزير خارجية بلاده التي اهان سلطاتها، لان تلك السلطة الدكتاتورية تدرك جيدا وتعرف ان ماركيز هو كولومبيا وكولومبيا هي ماركيز ، فرفعوا له القبعات رغم كل ما قال بشأن حكم الجنرالات خصوصاً في روايته ” خريف البطريك... ” .. الا ان دكتاتوريي كولومبيا تعاملوا مع مثقفهم  بنبل لايعرفه مدعوا السياسة عندنا .

 

- حين ثار الأوربيون رفع مثقفيهم شعار (( أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)), كان شعارا مؤلما ومعبرا عن مرارتهم من تحالف رجال الدين الفاسدين مع الحكام الطغاة . وهو واحد من أسئلة يفترض أن تجيب عليها الثقافة العراقية والعربية بدل إهدار الوقت بكتابة قصائد بائسة وروايات أكثر بؤسا ونقد لا يجيد سوى مديح مثل هذه النصوص . ان حاملي لواء الحرب على المثقفين الوطنيين ليسوا الا ساسة رواد الفشل والفساد والقتل وانصاف المثقفين , ومع ذلك  بقى حاملي لواء الوطنية شامخين رغم المعاناة ,  فيما طوت سلال النفايات اولئك الذين نساهم التأريخ وكأنهم لم يكونوا .


تعليقات

أحدث أقدم