امتناناً لجيل الأجداد والأمهات

مشاهدات



عائشة السلطان


يظن كثير من جيل الشباب اليوم ، أن التخرج في جامعات الغرب ونيل الشهادات العليا وإجادة اللغات الأجنبية ، وخلطها بشكل مسيء مع اللهجة الدارجة أثناء الحديث هو الدليل القاطع على التطور الذي تسعى إليه المجتمعات ، كما يتخيلون أنهم قد نالوا ببعض المظاهر والمهارات المكتسبة مجد التحضر ودخلوه من أوسع  بواباته حين جلسوا في أحدث المقاهي والمطاعم والمكاتب ، وقضوا إجازاتهم متسكعين في جهات الدنيا ما بين لندن وموناكو وروما وبراغ والمالديف ، يلتقطون أجمل الصور وأحلى المشاهد .

 

يظن هؤلاء أن جيل الأجداد والأمهات ، ولأنهم لم يتخرجوا في الجامعات العريقة ، ولم يكملوا دراساتهم العليا في الغرب ، ولم يقضوا إجازاتهم في الخارج ، ولم يجلسوا في مقاهي ستاربكس ولم يعرفوا الكابوتشينو والقهوة الإسبانية ولم يشربوا القهوة المثلجة، وأن قهوتهم كانت ولا تزال تقدّم كما كانت عابقة بالهيل والزعفران، فهم إذن ليسوا متطورين ولا متمدنين ، لأن التمدن يعني بالنسبة لكثير من أبناء هذا الجيل الحديث باللغة الإنجليزية واستخدام الكمبيوتر والموبايل طيلة الوقت وإلا فإنه من الصعب التواصل معهم والمقارنة بهم ! هذه الأفكار تحتاج إلى الكثير الكثير من التعديل والتصحيح  في أذهان عدد لا بأس به من أجيال تظن أن الفهم والمعرفة والذكاء والفطنة ، وامتلاك قدرات التواصل واللباقة ومعالجة المواقف، مرتبطة بالجامعات والشهادات واللغة الإنجليزية والكمبيوتر والموبايل وبنطلونات الجينز ودورات التنمية الذاتية ، والسفر والسوشيال ميديا.. بينما الحقيقة غير ذلك تماماً .

 

إن الحكمة والمعرفة التي تجري على لسان الأجداد والجدات والأمهات وبشكل فطري وبكامل اللباقة والذكاء تقول وتثبت تفوق هؤلاء ، وإنهم جيل لن يتكرر أبداً، لأنه الجيل الذي حفظ ولا يزال يحفظ معادلة التوازنات الحساسة فيما يخص الهوية والانتماء والأصالة والتربية والمواطنة والقيم ومؤسسة الأسرة ، وهو الجيل الذي حفظ تاريخنا وموروثنا ولهجتنا وأمثالنا وأنسابنا وشعرنا وقصائدنا وأسماء الأحياء والمناطق والأشجار والحوادث وما كان وما صار، وإن وقوفنا على بعض القصص من سيرة هؤلاء كفيل بأن يجعلنا ننظر إلى أنفسنا على أننا تلاميذ صغار في مدارسهم العظيمة .

تعليقات

أحدث أقدم