فائزة الفدعم
الليالي الجميلة عند الطفولة لا يمكن محوها من الذاكرة ، عندما كنا صغاراً في الثامنة من العمر فما دون كان الاهل والجيران في اكثر الاحيان يجتمعون بعد العشاء للتسلية وفقاً لوقت الفراغ والمزاج لسرد القصص والاستماع اليها كل يوم في احد البيوت واذكر منهم دار الست عربية والدة الدكتورة منى وبيت الحاج باقر العلوچي والد السيد فخري وعبد الملك وفاضل وبيت السيد مبارك ابو صباح الذي كانت زوجته رحمها الله لاتخرج من الدار وكانت وهي في بيتها ترتدي اجمل الازياء وتلقب بالست بدرية ام المودة والجيران يقولون انها تلبس ( الفرانكا ) اي اللبس الافرنجي أو الاجنبي وهي والدة السيدات نجلة وسلوى وخولة وسميرة التي كانت احدى صديقات الطفولة ، وكان بجوار بيتهم دار السيد رشيد افندي وهو والد السيد طارق والسيد فاروق والسيد صباح والسيد حكمت وابنتاهما نجلة وخوله الست خوله زوجة التربوي مزهر الماشي ، والسيد صالح خوشناو والسيدة المصونة الخالة حسيبة احمد افندي زوجة السيد خليل الخشالي ، والعمة ام عبد المنعم زوجة السيد كاظم دروش العلوجي . وكانت كل هذه البيوتات تمتد من انتهاء القيصرية حتى بستان ال بندر الكرام .
وكثيراً ما كنت اطرق الباب على السيدة اليهودية عمام والدة السيد خضوري شريك والدي في بعض املاكه ، وكانوا يسكنون في دار بمحلة الست مومنية وعند انتقالهم الى بغداد / شارع أبي نؤاس سكن دارهم فيما بعد الدكتور اسكندر رومان .
وعندما تفتح الباب ابادرها بالقول : خالة اريد ششة والششة على ما اذكر وانا طفلة كانت باقلاء مقلية لذيذة الطعم ، فكانت تقول لي : أرفعي ذيل ثوبك لأضع الششة في الشليل هو طرف الثوب الاسفل ، وعادة ماكان الاطفال يقومون برفعه ليضعوا الاشياء التي يحصلوا عليها من اهلهم ومحبيهم ، بعدها كنا نركض خلف عربانة ابو الثلج الذي يقوم باعطائنا قطع من الثلج نضربها بالحائط بطرف الشليل لتصبح هشة فنقوم باكلها لكسر حرارة الجو ، أو كنا نذهب الى السيد داوود الدهري وكان يقف بجانب دكانه السيد احمد ربل وكنا نشتري منه اللالنگي الذي يسقط على الارض من البساتين يسمى (الطوش )لانه ارخص من اللالنكي الذي يبيعه السيد داوود لانه (حوش) اي قطف في وقته لينتهي الوقت ونبدأ بالاستعداد لسماع القصة في بيت أحد الجيران . جلسة جميلة نفترش فيها نحن الصغار الارض جلوساً على ا( الفجة ) او الارضية المصنوعة من ( الچبن ) وهو لباد يُصنع من الصوف المزخرف الجميل ، وبعض النسوة ممن عجزن عن الجلوس على الارض استخدمن ( التختة ) وهي مقعد من الخشب يصنعه النجار منخفض الارتفاع والبعض منهن على كرسيين او ثلاث ، وينتشر في الجو بعض من عطر ماء الورد الذي تضعه النسوة عند الخروج على عبائاتهن السوداء ، وتبدو على اسنانهن أثار ( الديرم ) وهو لحاء شجر الجوز وبعد طقوس الضيافة من الشاي والكعك والجبن واللبن الرائب والخبز بدأت قصتنا لذلك المساء . والتي بدأت ببسم الله الرحمن الرحيم كان ياما كان وعلى الله التكلان احجيلكم سالوفة وذويلتها مگطوفة بيها الشنگر والمنگر بيها الشردگ والمردگ وبيها ......النيني وبيها عوينات الواوي .
كانت القصة هذه المرة لإمرأة قامت بزيارة لجارتنا التي كانت قريبتها وصدفة حضرت الجلسة ، القصة بعيدة عما ألفناه من قصص حيث كانت تتحدث عن دنيا أخرى خارج تصوراتي كطفلة ، تحدثت عن حياتها حيث تزوجت في لندن واخذت تحدثنا عن الريف الانكليزي وجسر لندن وساعة بگ بن ، وكلنا مبهورين وبآذان صاغية وشعرت عندها بميل شديد لهذا العالم البعيد عن القصص المعهودة عن قصص الرعب والطنطل وخضرة ام الليف وبيز ابو العرس والجني وما تتناقله النسوة من غيبيات وقصص خيالية ، انطبع في ذهني جسر لندن وتخيلته مصنوعاً من الذهب وصورة ساعة بگ بن تلاحقني وعدت للبيت معتلة العافية اشكو لاهلي اوجاعاً وهمية واخبرت والدي باني أريد الذهاب الى لندن لرؤية الساعة واصبحت انظر الى ساعة البيت واتخيل نفسي هناك وكثر إلحاحي وكلامي عن السفر حتى ضاق صدري ، وفي يوم من الايام اخبرني والدي ان أستعد للسفر الى لندن وان أحضر حقيبة اجمع فيها اغراضي وملابسي واخبرني اننا سوف نسافر وسوف تصل الحقيبة بعدنا لاحقاً . كما وعدني الوالد اخذني الى بغداد (لندن ) وكان في ذاك اليوم استعراضا للجيش العراقي واستمتعت كثيرا لانه مطابق للقصة التي سردتها تلك المرأة واخذني بعدها الى جسر جميل وعليه اعلام فقال الوالد هذا هو جسر لندن واخذني لاحقا الى ساعة ضخمة لتكتمل الاحداث كما روتها فاخذت اتمعن بالساعة بأعجاب كبير وقال لي هذه هي ساعة (بگ بن ) فسررت ايما سرور واخذت اقترب وابتعد وكأنني في خيالي ألتقط لها صوراً ، لاكتشف لاحقاً حين كبرت انها لم تكن سوى ساعة القشلة !؟
سؤالي لكم وارجو أن تُفيدوني ، ما معنى الشنگر والمنگر والشردگ والمردگ جزاكم الله خيراً .
إرسال تعليق