علي حماده
صحفي وباحث سياسي
لم يسبق لأي قمة لمجموعة العشرين أن توجت أعمالها بمثل القرار الاستراتيجي التاريخي الذي خرجت به القمة الأخيرة التي اختتمت السبت الماضي في نيودلهي، باجتماع "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار" بالإعلان عن مشروع "الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا"، وذلك من خلال قيام رباعية دولية وازنة مؤلفة من الهند والولايات المتحدة والمحور العربي (السعودية والإمارات) والاتحاد الأوروبي . وإذا كان الإعلان عن المشروع تم خلال قمة نيودلهي، فلأن مركز القمة كانت له دلالات كبيرة لناحية وزن الهند المتعاظم على المسرح الدولي بشكل عام انطلاقا من النمو الاقتصادي، إلى التنمية البشرية والصناعة والتجارة والتكنولوجيا . حصل هذا الإعلان وسط غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن القمة، لا سيما أن مشروع "الممر الاقتصادي" من الهند إلى أوروبا مرورا بالإمارات، السعودية ، الأردن، وبشراكة أميركا، شكل ترجمة لسياسة الخيارات المفتوحة والمطروحة أمام العديد من الدول الآسيوية ، والشرق أوسطية على أساس تنمية العلاقات الدولية المتوازنة .
تجدر الإشارة إلى أن دولا مؤسِسة في "مشروع الممر الاقتصادي" تشارك أيضا في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية التي قامت أولا على أساس الاستثمار في مجالات البنى التحتية. وقد ضمت عشرات الدول عبر العالم (155 دولة) ومن بينها كل من السعودية والإمارات . لكن المهم في القضية تركيز "مشروع الممر الاقتصادي" على الربط السككي، والبحري، والنقل الرقمي بتركيب كابلات الألياف البصرية، وبالتوازي وبشكل مستقل تأسيس ممرات خضراء عابرة للقارات (بروتوكول أميركي - سعودي) تحت مسمى "الشراكة العالمية للبنية التحتية والاستثمار" التي ستساهم فيها السعودية بمبلغ 20 مليار دولار . من الواضح أن المشروع الجديد لا يهدف إلى تطويق "مبادرة الحزام والطريق" الصينية ، بل يهدف في مكان إلى التكامل معها عبر خلق مروحة خيارات أمام دول العالم لرفع مستوى التعاون الاقتصادي في ما بينها، وتفادي الوقوع في فخ الاعتماد على قطب دولي واحد، أو تكتل دولي وحيد . فمبادرة "الحزام والطريق " ترتكز إلى رافعة وحيدة هي الصين، وتحاول خلق شبكة تواصل عالمية مركزها ومنبعها الصين نفسها. والتنويع في الشراكات ينطبق على الولايات المتحدة، مثلما ينطبق على الصين، والهند والاتحاد الأوروبي . من هنا أهمية مشروع "الممر الاقتصادي" الذي يقوم على شراكات متعددة من الهند إلى الإمارات والسعودية والأردن وانتهاء بدول الاتحاد الأوروبي. هذا ويمثل "الممر الاقتصادي" في جانب منه اعترافا أميركيا بضرورة ربط المصالح الاقتصادية بمسالة تطوير البنى التحتية من طرقات ، وسكك حديدية، وموانئ، وأنابيب تصدير الطاقة ، وكابلات الألياف البصرية وغيرها .
فالتبادل التجاري بالمقاييس القديمة لم يعد صالحا في وقت بات معلوما أن تأهيل البنى التحتية في الدول النامية أو الاقتصادات الناشئة صار المعبر الذي لا بد من المرور عبره من أجل تنمية التبادلات في كل اتجاه . ولعل كلمة الرئيس الأميركي جو بايدن التي ألقاها خلال الإعلان عن مشروع "الممر الاقتصادي" حيث قال إنه "خطوة هائلة إلى الأمام وسيغير قواعد اللعبة" من الهند إلى أوروبا مرورا بالشرق الأوسط، عبرت عن قرار من واشنطن بتدارك نقص حاد تعاني منه طبيعة علاقاتها مع دول آسيا وأفريقيا. فبموازة الإعلان المذكور، تحدث بايدن عن استثمارات في شبكات لسكك حديدية في أفريقيا تربط بين أنغولا وزامبيا وصولا إلى المحيط الهندي . كل ذلك قد يعكس فهما أميركيا جديدا لقواعد المنافسة مع الصين التي حققت قفزات كبيرة عبر "مبادرة الحزام والطريق" في القارة السمراء، أما عن طريق تمويل مشاريع ضخمة للبنى التحتية أو ربط الدول المعنية بقروض ضخمة منحت بكين موقعا متقدما في العديد من الدول الأفريقية . بالعودة إلى مشروع "الممر الاقتصادي" التاريخي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، فإنه يضع منطقتنا في قلب معادلة الترابط الاقتصادي العالمي بما يفترض أن يعزز استقرارا تحتاجه الدول المستفيدة من المشروع. والموقع الذي تحتله كل من السعودية والإمارات في هذا المشروع مركزي ومن دونهما ما كان ليبصر النور.
إرسال تعليق