صباح الزهيري
العصامي في القاموس هو من ساد بشرف نفسه , والذي يبني نفسه بنفسه , وينال الشرف بعمله , هذا هو صديقنا محمد السعدي , يقول محمود درويش ((والتاريخ يسخر من ضحاياه ومن أبطاله، يلقي عليهم نظرة ويمر)) , صديقنا محمد لم يوافقك يادرويش وهاهو ينشر كتبه الثلاثه ليعرف العالم معاناته من العمل النضالي , وما لاقاه من آلام بسبب مبدأيته وعصاميته وكفاحه ضد النفعيين والأنتهازيين وفضحهم . البوذيون يعتقدون ((ان الولادة معاناة, والشيخوخة معاناة, والمرض معاناة, والموت معاناة , فراقك لمن تُحب معاناة , ولقائك بأولئك الذين ليسوا أعزّاء معاناة , وعدم حيازة ما ترغب معاناة , وعدم الحفاظ على ما لدينا كذلك معاناة , وتحيل الشيخوخة أسباب الجمال إلى قبح , فيخطف العمر الجلال والقدرة ويأخذها بعيدًا, وتسرق الشيخوخة السعادة وتأخذها بعيدًا وتسبب المعاناة)) , ولكن معاناة صديقنا محمد من نوع آخر يبدو أكثر ايلاما ويحز في النفس بشكل أعمق .
حين تشاهد أعدام رفيقك بواسطة رفاقك بسبب شبهة غير مؤكدة , ثم تكتشف انه كان بريئا, وحين تفشل بأثارة الموضوع مع المعنيين , وتكتشف لا أباليتهم , وتجد من ينصحك بالصمت, معاناة . عندما تحتمي بحليف , ثم تكتشف انه باعك بقصد تصفيتك ورفاقك , وتنجو من القتل بأعجوبة, لتتسرب لاجئا في دروب الدول , معانا ة . ان تكتشف ان قيادييك يقيمون علائق نفعية أنتهازية مع القتلة, ولا يأبهون بتصفية رفاقهم , من أجل الحصول على لحسة عسل من موائد السلطة , معاناة . حين يتعب المحققون بالحصول على أعتراف أو معلومة منك رغم أستخدام كافة الوسائل البشعة السائدة في دول العالم المتخلف , وصمودك الرائع وتحملك كي تحمي أناس آووك وساعدوك , لدرجة تجعل الجلاد ييأس ويتخلى عن مواصلة التحقيق معك , ليتركك تختلي بنفسك لترمم جروحك وآلامك , ثم ليفاجئك ذلك القيادي الرمز حين يفتح باب الزنزانة عليك مؤكدا للمحققين أنك ذلك الشخص الذي نجحت بأنكاره , معاناة . من صور الانقياد الأعمى خلف القطيع قول غسان كنفاني (( أحيانا يخرج ماعز من أجل قشرة فاكهة , فيجر القطيع خلفه)) , الكثيرون من رفاق محمد السعدي رفضوا التعاون مع غزاة بلدهم ولم ينجروا الى الأمتيازات والمناصب والمكافئات, ولأنه يؤمن أنه من رحم المعاناة يولد الأبطال , ومن عمق المشاكل يأتي الفرج , ومن الم الأحزان تأتي السعادة , أكتسب شخصية المبدأي العصامي , الذي رفض مسيرة القطيع .
النفعية كانت موجودة من قديم الأزل ، والنفعيون كانوا موجودين في كل العصور وعلى كل الموائد , بئس النفعيون الذين يزعمون أن أفضل سلوك يمكن أن يقوم به الإنسان هو ذلك الذي يحقق له أقصى منفعة ممكنة, والذين لا تعنيهم الوسيلة المستخدمة , كما لا يعنيهم إن كان هذا السلوك سوف يسبب ضررا للآخرين , الذين يؤمنون ان النفعية مذهبا أخلاقيا وهم أبعد ما يكون عن الأخلاق والقيم والمبادئ , لقد رصد صديقنا محمد وشاهد كل ذلك وتعرف على الانتهازي متعدد التوجهات والانتماءات والأفكار الذي لا يدافع عن فكرة معينة ، ومستعد للتنكر لماضيه وعقائده ، ووضع نفسه في خانة المثيرين للشفقة ، وهو الشخص يقوم بأداء دوره بكل احترافية وينطلق في مساره نحو التألق عن طريق التملق, كل أؤلئك النفعيون والأنتهازيون ذكرهم في كتبه وشرح تفاصيل مواقفهم بدقة وبألم متأتي من المعاناة .
إرسال تعليق