ماريا معلوف
متخصصة بالسياسات الأميركية وشؤون الشرق الأوسط
قبل انطلاق الأحداث الدامية في الشرق الأوسط كان تصويت مجلس النواب الأميركي لصالح إقالة كيفن مكارثي هو الحدث الطاغي في العالم حيث اتفق المراقبون على أن ماحصل من إقالة مكارثي يعكس الأزمة داخل الحزب الجمهوري الذي أصبح غير قادر على التعاون مع المعارضة الديمقراطية في مجلس النواب . ذلك أن اهتزاز المشهد السياسي في أمريكا في الثالث من أكتوبر بسبب عزل مكارثي ينطلق من أن هذا هو أول تصويت لإقالة رئيس لمجلس النواب الأميركي منذ قيام أميركا حيث أن التهديدات للرؤساء السابقين لمجلس النواب بالإقالة لم تنجح في الإطاحة بهم . ولاشك أن لهذه الإقالة التي حصلت لمكارثي تداعيات عديدة يمكن حصر بعضها في النطاق الداخلي والبعض الآخر يمكن أن نطلق عليه تداعيات خارجية تنطلق من تدهور سمعة مجلس النواب الأميركي وتراجع الثقة الدولية في الحكومة الأميركية انطلاقا من أن النظام السياسي الأميركي لايعمل حاليا بالشكل المطلوب . في قراءة متانية لتلك التداعيات يمكن التوقف عند الأمور التالية :
أولا : يمكن القول ان اقالة مكارثي ستثير حتما المخاوف بشأن قدرة الحزب الجمهوري على مواجهة الحزب الديمقراطي في انتخابات الـ2024 وأن حالة التأزم داخل الحزب والصراع بين أوساطه ، وأخص هنا بالذكر الجناح المتشدد داخل الحزب الجمهوري والذين صوتوا لصالح عزل مكارثي، ناهيك عن الصراع الذي سيحدث بين الحزبين في الفترة الحالية، حيث (الشلل التشريعي) الذي تسببه الانقسامات الداخلية وحالة الضبابية التي تسببت بها الإقالة حيث التأخر في تحديث برامج دعم المزارع والتغذية وقوانين التمويل الحكومي والمساعدات لأوكرانيا وقبل ذلك وبعده (اتجاهات الحزب في الفترة المقبلة) كل ذلك يمكن اعتباره وبالنظر إلى خطوة إقالة مكارثي تتويجا للانقسامات الجمهورية المتفاقمة منذ عام وأكثر .
ثانيا : يجب التوقف أيضا عند مواقف الديقراطيين مع مكارثي خلال الفترة الماضية وهو الذي توصل معهم إلى اتفاق في شهر يونيو الماضي لرفع سقف الديون وقد كان تجنبهم دعمه في البقاء رئيسا عاملا حاسما في إقالته لأسباب أهمها عزمه فتح تحقيق لعزل بايدن مع عدم وجود أدلة على ارتكاب رئيس الدولة لمخالفات .
ثالثا : مع نهاية انقضاء عطلة مجلس النواب سيبدأ الأعضاء بمناقشة المرشح الذي سيدعمونه في التصويت المرتقب لاختيار رئيس مجلس جديد حيث هناك تحديات تواجه المجلس داخليا، وأما خارجيا فلاشك أن إقرار المجلس لمساعدات أميركية عاجلة لإسرائيل هو في صلب تلك المساعي وقد تردد هنا بالقرب من الكابيتول في واشنطن اسم زعيم الأغلبية في مجلس النواب (ستيف سكاليز) بصفته المرشح الأقرب للفوز بهذا المنصب ، كما تردد اسم (كيفين هيرن) رئيس لجنة الدراسات ليكون رئيسا للمجلس مع أن الداعمين له أقل بكثير من (سكاليز) بالإضافة إلى (جيم جوردان) رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب .
رابعا : على المستوى الخارجي، يبقى الشأن الأوكراني والمساعدات الخاصة بتلك الحرب مشكلة يتقاذفها الجمهوريون والديمقراطيون حيث أن عددا كبيرا من الجمهوريين يعارضون تمويل مايصفونه بـ"نظام النازيين الجدد في أوكرانيا"، وحتى لو حاول رئيس المجلس المؤقت دمج المساعدات الأوكرانية مع ميزانية الأولويات المحافظة كتمويل الحدود فإن ذلك سيستغرق وقتا طويلا ولاشك كذلك أن التأخر في الاتفاق على اسم رئيس جديد للمجلس سيباشر اتفاقيات التطبيع العربية مع إسرائيل وقضايا خارجية كثيرة هو ضمن المآلات الخارجية لهذا الحدث المهم .
وهنا يرد سؤال في غاية الأهمية: لماذا كثرت في الآونة الأخيرة حالات الخروج عن سكة القوانين والأعراف في بلد الديمقراطية الأهم في العالم؟ وهل هذا الأمر خلل وظيفي أم مسار بدأ في الظهور ؟ والإجابة سهلة هنا ذلك أن طريقة العمل بين الجمهوريين والديقراطيين باتت اليوم لا تناسب النظام السياسي السائد في العالم ، فانتخاب ممثل ديمقراطي رئيسا لمجلس النواب سيتطلب بالضرورة انضمام جمهوريين معتدلين إلى الديمقراطيين ومن نافلة القول هنا إنه لايبدو أن هناك توجها وإرادة سياسية لتحقيق هذا الأمر . بالقرب هنا من الكابيتول يبدو الكثيرون من الجمهوريين متحدون في توجهاتهم في اختيار رئيس جديد لمجلس النواب يستفيد منه الحزب على المدى الطويل ويكون الالتفاف حوله جامعا لكافة الفصائل الجمهورية في المجلس وهم الذين باتوا يوصفون بأنهم في (حرب أهلية) وأنهم مثال للفوضى، وهم في رأيي الشخصي يمرون بأزمة وجودية تشق وحدتهم . خلال حوار لي مع أحد الصحفيين في أروقة الكونغرس سألته هل هناك صحة لما يتردد حول علاقة للرئيس ترامب بإقالة مكارثي ؟ وكانت إجابته لي مليئة بالدلالات والمآلات .. فقد قال إن ترامب حتى ولو لم يكن رئيسا حاليا فإنه قد بنى في الحزب اتجاها شعبويا لا يشبه بحال من الأحوال ما بناه كل من جورج بوش وريغان وأنه جعل من الحرية الشخصية القصوى والقيم الاجتماعية التقليدية وربما الشعبوية بمثابة صيغة انتخابية تمكن المرشح الجمهوري من الفوز بسهولة لكنك لا تستطيع أبدا اتهامه بأنه وراء إقالة مكارثي ولا دور له خلف الستار .
في خلاصة .. على المستوى الداخلي ألحقت إقالة مكارثي الضرر بكل من الحزب الجمهوري والديمقراطي على السواء فقد تزايد الانشقاق الداخلي في الحزب الجمهوري وأي مرشح جمهوري لاحق سيرى في تجربة مكارثي سببا لعدم التعاون مع الديمقراطيين ولن يكون تمرير المشروعات المهمة في جدوله وأهمها الموازنة التي ستعرض خلال الشهرين المقبلين .
إرسال تعليق