ذكريات جميلة من الموصل

مشاهدات



د. حاتم جرار 

 

عندما وصلت الموصل عام 1965 ، كانت كلية الطب  في الموصل تابعة لجامعة بغداد وتأسست الجامعة في عام 1967 ، والجامعة  في بدايتها أعطت زخماً للمدينة من حيث العمران والحالة الاجتماعية . وقد واكبنا تطور الجامعة منذ البداية . كان أفضل فندق هو فندق المحطة ( محطة القطار ) وهو الأرقى، وكان المبيت فيه ب( 5 دنانير ) وكانت حين ذلك ثروة بالنسبة للإنسان العادي . وكانت المعيشة مع السكن وملحقات الدراسة تكلف (15-20 دينار ) وكنا نعيش عيشة محترمة بهذا المبلغ . كان أفضل مطعم هو مطعم الزوراء ومطعم النهرين  والفرات،،، وتكلف الوجبة تمن ومرق وشاي 70/80 فلس وأكلة القوزي  المحترم جداً 120 فلس .  بينما نفر الكباب كان ب 60 فلسا مع شربت الزبيب وأفضل سينما كانت سينما الجمهورية في مدخل شارع الدواسة وأشهر  چايچي(بائع الشاي) هو  مقهى ستّار أول شارع حلب . وتكلفة الإستكانة 10 فلوس .

 

لم نكن نشعر بالفارق بين الطلبة ،، فلم يكن أحد ( يسمع ) بطالب سني أو شيعي أو  تركماني أو مسيحي  أو كردي ، لدرجة أني عشت مع طلاب لم أعرف أنهم يزيدية أو أكراد إلا بعد أشهر،، الكل عراقي بالعموم ، ومصلاوي  بالخصوص . كان العالم صغير والمواصلات قليلة  ومصلحة نقل الركاب منتظمة بمواعيد خطوط باصاتها ،،، عندما يذهب الشخص إلى تلعفر أو أربيل يقول ، كنت في الخارج ! كانت دفعة كلية الطب 150 طالب ، بطاقم تدريسي ضخم لدرجة أن كل 8 طلاب يكون مسؤول يحمل درجة دكتوراه ، وكان الصف كعائلة ، الطالب والأستاذ والإداري  كنا عائلة واحدة . . كان الحر جدّاً عالي في الصيف، ولا يوجد مكيفات ،، فقط يوجد في بعض الأماكن  المبردات ، ولكن كنا في البيوت ، لا نملك إلا ألبانكة ( مراوح كهربائية )  ! ولقضاء النهار في العطلة  نضطر إلى أن نقضيها في سينما أو كازينو لكي ننعم ببعض البرودة من المكيفات . كان أهل الموصل يرفضون تأجير بيوت لنا في البداية في المناطق السكنية ، فهم لا يؤجروا للعزاب ابدا ،،،، ولكن ما أن مضى على الجامعة سنوات قليلة ، حتى تغير هذا النظام .

 

الصحيح ، نحن الفلسطينيين ،كُنّا محظوظين ، حيث أن كافة الأهالي كانوا يتعاطفون معنا وخاصة بعد عام 1967 حيث احتلت باقي فلسطين . ( ولا ننسى) موقف الحكومة العراقية بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 فقد عاملتنا الحكومة  كالطلبة العراقيين ، وأسكنونا في سكن الطلبة العراقيين ، وأعطونا منحة الطلاب العراقيين حتى التخّرج ، وأهالي الموصل فتحوا لنا بيوتهم ، واحتضنونا كأولادهم. فكيف لنا أن ننسى ذلك ؟ إن الموصل ، هي العراق لم تتغير في عطاءًها  ومحبتها للضيوف مع مرور الزمن والحكام . ومحبتنا وعرفاننا بالجميل لن ينتهي ، وقد أفهمنا وعلمنا أولادنا ، بأن يحب كل ما هو عراقي . وقد علّمت زوجتي على الأكل العراقي والمصلاوي  خاصة  الدولمة ، والباچة ، وكبة الموصل ، ولا زالت جزءاً من الروتين عندي في بيتي لحد الان ،،،،،، لا أعرف فحب العراق ،،،كل العراق ،، والموصل خصوصا بكل مكوناتها تغلغلت في دمنا .

 

محبتي لكل من قرأ هذه الذكريات التي هي أجمل ذكرياتي .



تعليقات

أحدث أقدم