سحر النصراوي
لا أحد هيأ هذا المواطن العربي المنسلخ عن كل الأعراق لمرحلة ما بعد حالة البذخ الكاذبة التي دفعته المنظومة الاستهلاكية إليها دون وعي . تولت المؤسسات البنكية طحنه حينا بين فكي رحاها وهي تقدم له جميع أنواع التسهيلات حتى يقع فريسة سهلة لفخ القروض .. مدته وسائل الإعلام بشتى أنواع الاشهارات والدعاية لأنماط العيش التي كان ليتمناها دون أن يدركها .. وأخيرا حولته البرامج الاجتماعية إلى متسول .. لا أحد زوده بكتيب إرشادات لما بعد مرحلة الطحن .. تظافرت الجهود في سبيل دفعه دفعا إلى ما لا يستطيع تحمل تكلفته المعنوية والمادية ، ثم علقوا صوره على يافطات اشهارية تعكس كم الرضا والسعادة التي وصل إليها . أفهموه خطأ أن الناس سواسية ..؟ وأن الجميع يستطيعون العيش ضمن نفس المستوى المادي ؟؟
الشعب التونسي ، شعب ينتمي كله إلى نفس الطبقة الاجتماعية ، .. طبقة المقترضين ، المتبضعين بالتسهيلات والمتداينين .. يشترون نفس الملابس ، نفس الأثاث ، نفس أنواع السيارات.. على الجميع أن يتزوج بنفس الطريقة ويقيم نفس الطقوس الوثنية البالية .. أن يسكن منزلا بغرف كثيرة وإن لم يحتجها ، أن يمتلك سيارة مع أن سعر المحروقات زاد اربعة مرات في سنة واحدة ، و إن يكن سعرها مشطا وغير منطقي فتلك السيارة هي ما سيحفظ كبرياءه الرث ويقيم الحدود بينه وين الزواولة .. السيارة هي ما سيحفظ مكانته ، نوعية السجائر الفاخرة هي ما سيعكس ذائقته ورفعة مقامه.. على الجميع قضاء عطل صيفية في مناطق سياحية فخمة ,.. الخروج للغداء أو للعشاء في نفس المطعم الذي تم الإجماع على أنه الأفضل ،.. فقط لأن لائحة أسعاره أعلى . ارتياد نفس صالونات الشاي و المقاهي ، ..
أتساءل هنا متى سيبدأ هذا الهامستر بالاستيقاظ من وهمه ؟؟ أيعقل أن يرتاد رب عائلة يتراوح دخله الشهري بين 500 دينار والف دينار نفس المقهى الذي يرتاده أعزب يتراوح دخله الشهري بين الف دينار والفين وخمسمائة دينار ؟؟ أيعقل أن يرتاد شخص يتقاضى راتبا مخزي كالرواتب التي يتقاضاها أكثر من ثلثي الشعب ، نفس المطعم الذي يرتاده رجل أعمال ؟؟ ما الذي يدفعك إلى تحمل تكلفة كل ذلك والضغط على نفسك وعلى أعصابك ، عائلتك وكل محيطك في سبيل هذه النزوة . أجل إنها نزوة وتهور في منطق الشعوب المتحضرة والتي تجيد العيش والتعايش مع ظروفها . لماذا يجب أن تشعر بالمهانة كلما اضطررت دفعا للإقرار بأنك لا تستطيع تحمل تكلفة أمر ما ؟؟ ما المهين اليوم في الإقرار بأنك فقير ؟؟ يجب أن تتعلم كيف تقف شامخا و أنت تقولها ، لأن فقر الجيب ، ليس مهينا بقدر فقر الاخلاق الذي نعيشه . الفقر المادي ليس مهينا بقدر الفقر الذهني والافتقار الى ابسط أساليب التحليل الذي يجب أن تخوض فيه لتعلم ما الذي دفعك وأدى بك إلى هذا الحال . هل تعلم ما هو المعيب و المهين. ؟ ألا تقف في وجه هذه الدولة الآثمة ، دولة قطاع الطرق وتطالب بحقك في عيش كريم . أنت لن تحضى أبدا بما كنت تحلم أن تصيره وأنت ممتلئ بالفراغ ، مثقل بالديون ، مكسور الظهر بالعجز ..أخرج للشارع واصرخ ، طالب بحقك في أن تكون مواطنا من هذا البلد الذي تسلخ جلدك فيه ، فاتورة الماء ، فاتورة الكهرباء ، الضرائب ، مقتطعات صناديق التأمين ، اداءات على الطرقات ، أخرج وطالب بما هو حق لك ، اصلاح منظومة التعليم ، لكي لا تضطر الى ادخال ابنائك للمدارس الخاصة . اصلاح المستشفيات ومراكز الصحة العمومية لكي لا تضطر طوال الوقت للذهاب للاطباء والمصحات الخاصة . طالب باصلاح منظومة النقل العمومي وقطاع الخدمات والبلديات .. هكذا فقط تستطيع أن تتخلص مما يهينك . أعود لأقول الفقر ليس مهين ، المهين أن ترى من أفقروك ينجون بجرمهم ، دون أن تحرك ساكنا .
الزواولة : ضعفاء الحال أو المتعففون في اللهجة التونسية
إرسال تعليق