تحذير.. يجب مراجعة الصلاحية قبل فتح المنتج!

مشاهدات


ياسر عبدالعزيز



بعد أن سقط سور برلين تحولت أحجاره إلى قطع تذكارية تهافت عليها الألمان والأوروبيون وحتى العرب الذين توافدوا للشطر الشرقي للمدينة التي شهدت أهم حدث تاريخي في العصر الحديث في حينها بعد الحرب العالمية الثانية، حتى صارت تلك الأحجار بعد ما يزيد على الثلاثين عاماً قطعا أثرية يباع بعضها بمئات آلاف اليوروهات . فالجدار بأحجاره التي بناه الشرقيون كانت رمزاً لصراع بين شرق العالم الشيوعي وغربه الديمقراطي الرأسمالي، بعد حرب باردة في صراع  بين المذهبين للهيمنة على أكبر قدر ممكن من دول العالم ، وتسابق في ذلك كل من أمريكا وحلفائها من الغرب الأوروبي والاتحاد السوفيتي والصين وحلفائهما من الشرق الأوروبي، وبقي عدد ليس بالقليل من بلدان العالم على "الحياد" يتنازعهما المعسكران . ولما سقط الجدار كان إيذاناً بسقوط الاتحاد السوفيتي وسقوط مذهبه معه ، على الأقل مرحلياً قبل أن يعيد ترتيب صفوفه مستخدماً تحديثات المذهب ليتماشى مع الواقع الدولي الجديد الذي فرضته مرحلة ما بعد برلين ، وأصبح العالم مفتوحاً يبشر فيه بالديمقراطية الرأسمالية من غير مزاحمة، حتى في الدول التي كانت حليفة للاتحاد السوفيتي بل التي كانت منضوية تحت حكمه وجزءا منه، لندخل حقبة جديدة سميت بحقبة الثورات البرتقالية التي ترسخت فيها تلك الديمقراطية، وأصبحت تحت هيمنته إن شئنا التوصيف.

 

ولأن الديمقراطية بمبادئها الرنانة جاذبة ومبهرة، ناهيك على أنها المذهب "المتغلب"، فقد آمنت بها الشعوب وصدقت في مبادئها التي بشر بها السياسيون والمفكرون والإعلاميون وحتى السينمائيون، فلن يرفض عاقل الحرية والعدالة والمساواة، ومن المؤكد أنه سيقبل بمبدأ يحقق الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي، ويرسخ قيم الصدق والأمانة والتعايش السلمي، في ظل احترام حقوق الإنسان، ليس هذا فقط، بل وسيشارك، كفرد، في اتخاذ القرار، تحت مبدئي التداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات، ويجد تحت هذا المذهب من يحارب من أجل عدم التعسف في استخدام سلطاته ويحترم المال العام ويحافظ عليه . ولعل ما أوردته شرطة نيويورك ، في بيانها، أنها ألقت القبض على، ستيوارت سيلدوويتز، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما، بعد تداول سلسلة من مقاطع الفيديو على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، استخدم فيها لغة مليئة بالكراهية ومعادية للإسلام ضد عامل على عربة طعام في مدينة نيويورك، بتهم تتعلق بجرائم الكراهية والمطاردة التي تسبب الخوف، بعد أن ثبت عليه سب الرجل، واتهمه بدعم حماس ، وهي المصنفة منظمة إرهابية في أمريكا، ما يعني أن الرجل يدعم الإرهاب، وهي جريمة كبيرة فيما لو ثبتت ، كما تجاوز مستشار أوباما، بالكراهية على الأطفال القتلى في غزة جراء القصف المتوحش لآلة الحرب الإسرائيلية، واصفاً قتل 4 آلاف طفل في غزة بانه ليس كافياً، كما تطاول على القرآن الكريم ومقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكن شرطة نيويورك التي تلقت بلاغ المصري، اخذت الموضوع على محمل الجد وقبضت على، ستيوارت سيلدوويتز، لخرقه حق المصري المقيم ، وأمنت سلامته في العيش الآمن، في مشهد يرسخ مبادئ الديمقراطية ودولة القانون التي تسعى لترسيخها.

 

في مشهد آخر أكثر انتشاراً، إذ كان مذاعاً على الهواء مباشرة وحفظه موقع يوتيوب للتاريخ ، سأل المذيع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والذي كان ضيفه في لقاء خاص عن موقف الاتحاد مما يحدث في غزة من قتل ممنهج ومستمر على المدنيين والأطفال في غزة من الاحتلال الإسرائيلي، فأجاب الرجل بدبلوماسية، بأنه ليس محامياً ولا قاضياً ليحكم على هذه التصرفات ، وأن هناك مؤسسات منوط بها ، وفق القانون الدولي، توصيف هذه الأفعال، ولما سأله المذيع في نفس الحوار عما حدث في السابع من أكتوبر، تشرين الأول على بعض المستوطنات في محيط غزة المحتل ، من قبل عناصر حماس، أجاب بكل ثقة وعدم تردد ، بأنه إرهاب غير مقبول، في ازدواجية غريبة لا يمكن أن تمر على عقل ولا قلب عاقل . ستيوارت سيلدوويتز، الذي قبضت عليه شرطة نيويورك، في جملة ما، هدد العامل المصري، في مقطع مصور، سلم للشرطة ، يسأل الرجل عما إذا كان على دراية بجهاز المخابرات المصرية ، إذ قال للبائع : "المخابرات في مصر سوف تنال من والديك في مصر.. هل يحب والدك أظافره ؟ سيقتلعونها واحداً تلو الآخر". هذه هي الديمقراطية التي يصدرها الغرب لبلادنا، يصادقون على انتخابات تفتقر لأدنى شروط الشفافية والمصداقية ، حين تأتي بأنظمة وظيفية، تقبل أن تقوم بما تمنعه القوانين في بلدانهم ، ولعل معتقلي جوانتانمو الذين أرسلوا إلى بعض بلداننا ليتم تعذيبهم واستنطاقهم بما فعلوا أو ما لم يفعلوا، خدمة للمخابرات الأمريكية ، لازالوا في ضمير العالم الحر. هذه هي الديمقراطية التي لا تطبق بمبادئها السامية ، وعلى رأسها حقوق الإنسان، إلا على من يرى واضع هذه المبادئ أنه يستحق، وتحجب أو يغض الطرف عن تطبيقها عمن لا يستحق ، أو من يتعارض تطبيقها في بلاده مع مصالح واضع المبادئ .

 

عزيزي القارئ، جميلة هي الديمقراطية ، عظيمة هي مبادئها، لكن.. يجب مراجعة الصلاحية قبل أن تفتحها .

 

 


 

 

تعليقات

أحدث أقدم