نهشنا سوس خلافاتنا قبل أن تنهشنا سيوف أعدائنا!

مشاهدات


 

سعد أحمد الكبيسي 


روى ابن قتيبة في رائعته عيون الأخبار المؤلفة من أربعة أجزاء قال : 

 

لما اشتغل الخليفة عبد الملك بن مروان بمحاربة عبد الله بن الزبير، اجتمع وجوه الروم وكبراؤهم إلى إمبراطورهم وقالوا له : لقد شُغل العرب بقتال بعضهم بعضًا ، وهذه فرصة سانحة لنا، والرأي أن نهاجمهم .

 

فقال: إياكم أن تفعلوا!

 

ذُهِل كبار القوم من ردّ الإمبراطور، واستفسروا عن سبب ما قال . فدعا بكلبين، وحرّض بينهما فاقتتلا قتالًا شديدًا، وبينما هما في غمرة القتال هذا يعضُّ ذاك، وذاك ينهش هذا، دعا بثعلب وزجّه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب أوقفا القتال، وهجما عليه حتى قتلاه !

 

عندها قال الإمبراطور: هذا مثلنا ومثلهم ، فإن هاجمناهم اجتمعوا علينا، وإن تركناهم أفنى بعضهم بعضًا !

 

العبرة من القصة واضحة مفادها التاريخ يعيد نفسه ، بل ربما التاريخ بريء نحن من لا نعتبر في النزاع بين الأشقاء ، لا يكون هناك فائز، فإن خسارته هي خسارتك، وانتصاره هو انتصارك . في التاريخ القديم للعرب، العرب في منطقة الشام كانوا يُستخدمون سيوفاً لهرقل، والعرب في اليمن كانوا يُستخدمون سيوفاً لكسرى، ولم نكن نساهم في تقدم البشرية ورفع راية التطور والحضارة والإنسانية إلا حينما اعتنقنا الإسلام العظيم وتوحدنا تحته. وأصبحنا يدًا واحدة وقلبًا واحدًا.


"ما توقفت الفتوحات يومًا إلا بسبب صراع داخلي، وما سقطت لنا دولة إلا لأنها كانت هشة، نهشها سوس خلافاتنا قبل أن تنهشها سيوف أعدائنا ! الأندلس لم يُسقطها الأسبان، وإنما أسقطها ملوك الطوائف وأمراء المدن المتناحرة ، الإسبان أطلقوا عليها رصاصة الرحمة فقط ، ولم يُسقط هولاكو بغداد، بغداد سقطت قبل هذا بكثير، أسقطناها نحن بنزاعاتنا وحروبنا الداخلية ، هولاكو جاء فوجدها مهيأة للاحتلال فاحتلها !" نحن اليوم ضعفاء ؛ لأننا أمة مشرذمة وقبائل متناحرة ، فهل من معتبر! " إن القارب لا يستوعب ركاب سفينة فاتركوا قواربكم الصغيرة، واتجهوا إلى بناء السفينة الكبيرة الجامعة المانعة التي تعصمنا من الطوفان . 

 

فالأصل الأصيل هو :

(صفا كأنهم بنيان مرصوص) وليس صفوفا

(واعتصموا بحبل الله...) وليس بحبال

(جميعا...) وليس جماعات

(وهم يد على من سواهم) وليسوا أيدي. " 

 


تعليقات

أحدث أقدم