الأديبة أ. د. سناء الشّعلان (بنت نعيمة)/ الأردن
إنّ الدّور المقدّس والأوّل للجميع هو دعم غزّة والنّضال الفلسطينيّ دعماً عسكريّاً، وحمل السّلاح إلى جانبها، والتّقاطر المبارك في درب دعمها ونصرتها في حربها العظيمة المباركة مع أبناء القردة والخنازير ومن والاهم إلى يوم الدّين، وأيّ دور دون هذا الدّور يجب أن يسانده، وأن يعاضده، وأن ييمّم صوبه؛ انطلاقاً من ذلك مَنْ لا يستطيع أن يحمل السّلاح من المثقّفين والكتّاب ومن دار في فلكهم من طواقم مساندة ومهتمّة رسميّة وشخصيّة يجب أن يقوم بالواجب الأعظم الثّاني في هذه المرحلة، وهو دعم القضيّة الفلسطينيّة وتمجيد النضّال الحمساويّ في غزّة، وتمجيد كلّ مَنْ يقف في صفهّم، وعلى رأسهم كلّ الفصائل والأفراد والمؤسّسات والجهات داخل غزّة وفلسطين وخارجها، وكشف الحقيقة للعالم، وحثّ الأفراد والجماعات والمؤسسّات والدّول في شتّى بقاع العالم على دعم غزّة على المستويات جميعها، وفضح الكيان الصّهيونيّ المحتلّ الذي وارى وجهه الشّيطانيّ ووجوده المتوحّش لعقود طويلة خلف الإعلام العالميّ المضلّل الذي اشتراه، وساسه نحو مبتغاه هذا، في حين انشغل الإعلام العربيّ بتوافه الأمور وسقطها، وحاد عن دوره الأهمّ في دعم قضايا الأمّة، وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة.
الآن نجد دور الإعلام العربيّ والعالميّ وحتى دور المثقّفين والكتّاب العرب على وجه الخصوص هو دون المأمول في هذه المرحلة المصيريّة، في إزاء المواقف الفرديّة التي يقوم بها صنّاع الإعلام على المستوى الفرديّ بمن نطلق عليهم (السوشل ميديا/ Social Media) الذين يقومون بأدوار مهمّة وخطيرة في فضح جرائم الكيان الصّهيونيّ الغاشم، ويعرّون مخازيه، ويبرزون هزيمته النّكراء، ويوثّقون جرائمه في حقّ المدنيين العزّل في غزّة وفي سائر مناكب فلسطين المحتلّة، وهم حقيقة مَنْ قاموا بإيقاظ العالم بجهودهم الإعلاميّة التّواصليّة الخطيرة، وبشتّى اللّغات حتى شهد العالم في هذه اللّحظات أكبر صحوة وهزّة في تاريخه المعاصر كلّه بما يخصّ القضيّة الفلسطينيّة، وأعاد للنّضال الفلسطينيّ ألقه، ووضعه في مكانه الطّبيعيّ من الاهتمام والتّقدير والدّعم، وجعل الشّعوب في أصقاع العالم كلّه تخرج إلى الشّوارع صارخة بغضب في وجه حكوماتها المتصهينة التي تدعم الآلة الحربيّة الصّهيونيّة المستعمرة على حساب أجساد قتلى غزّة وفلسطين والكثير من الأحرار في هذا الكوكب إرضاءً للصّهيونيّة الشّمطاء المتوحّشة، وذلك كلّه بتموين من جيوب دافعي الضّرائب في العالم، وعلى رأسهم الشّعب الأمريكيّ الذي ضّلله الإعلام الصّهيونيّ لعقود طويلة.
لكن بفضل جهود (السوشل ميديا/ Social Media) على أيدي الأحرار في كلّ مكان في أرجاء المعمورة، وعلى رأسهم أهل غزّة الشّجعان لا سيما الشّباب والشّابات وطواقم الإعلام هناك الذين يوثّقون جرائم العدوّ الصّهيونيّ أوّل بأول، ويبثّونها مباشرة إلى العالم ليرى هذه الملحمة البطوليّة التي يسطّرها الشّعب الغزّيّ تحت راية النضّال القّسّامي إلى جانب الفصائل التي تدعمه في داخل فلسطين وخارجها في ملحمة بطوليّة لا نظير لها في الوجود البشريّ كاملاً على وجه الأرض؛ فكيف يقف أفراد قلّة مسلّحون بأقلّ الأسلحة عدداً وتطوّراً بصدور عارية وأقدام حافية فوق حطام بيوتهم ودماء شهدائهم وبطونهم فارغة والمطر يلفحهم ببرده القارص وسط حرمانهم من الماء والطّعام والوقود والعلاج والنّوم والأمن والأهل ليردّوا جيوش العالم كلّها التي جاءتْ مدجّجةً بالظّلم والطّغيان والأسلحة الفتّاكة والكراهيّة ورغبة الانتقام والإبادة؛ لتستقوي على شعب مسالم ضعيف رابض في أرضه رافضاً أن يُطرد منها حتى لو بذل الأرواح جميعها دون ذلك.
إذن استفاد الجهاد المقدّس القسّامي في غزّة من (السوشل ميديا/ Social Media) عندما هبّ الشّرفاء في الكوكب كلّه في دعم إعلامّي عملاق قلّ نظيره إلى تصحيح الصّورة، وتقديم الحقيقة عارية بما يفضح الأكاذيب للمحتلّ الصّهيونيّ، ويبرز صورة المجاهد القسّاميّ بكلّ جلال وعزّة وعظمة باسم الجهاد المقدّس الذي لا يقبل القسمة إلّا على النّصر أو الشّهادة، وهي الجملة التي يختم بها أبو عبيدة خطبه جميعاً التي ينتظرها أهل الكوكب كلّه لحظة بلحظة؛ ليروا أخيراً وجهاً مقاتلاً شجاعاً أبيّاً في زمن المطايا والدّواب والخونة والأوغاد وعديمي الكرامة والشّرف.
المثّقف الذي لم يجارِ هذا الموقف، ويقدّم دعماً يليق به آل إلى الظّل الأسود المشين إلى أبد الآبدين، فقد سقط في عار أكبر سيظلّ يلازمه طوال العمر، ولن يغفره له القادم المنتصر للمجاهدين في غزّة وفلسطين -إنْ شاء الله- تخلّيه عن دور هذا، وسوف تحاسبه الأجيال المقبلة على خيانته هذه.
أمّا مَنْ لعب دور تقديم الحقائق وفضح الآلة الصّهيونيّة وفضح أمّها الشّيطانة الشّمطاء أمريكا وفضح كلّ مَنْ والاهم من متصهيني العالم والعرب، فقد انتصر لغزّة ولجهادها المقدّس،كما انتصر للكرامة والحقيقة والعدالة وحقّ فلسطين في طرد عدّوها الغاشم عن أرضها، وبالتّالي هو انتصر لإنسانيته ووجوده وقومه وتاريخه ومستقبل أبنائه.
الآن المساحات الإنسانيّة باتتْ واضحة دون تزين وعمليّات تجميل للمواقف؛ والوجود كلّه انقسم بشكل واضح في طرفين لا ثالث لهما، ولنا الآن أن نستعير المقولة الأمريكيّة المتوحّشة التي تقول صراحة: مَنْ ليس معنا فهو ضدّنا.
كذلك مَنْ لا يقف الآن مع الجهاد الفلسطينيّ المقدّس هو ضدّه، وهذا خيانة ما بعدها خيانة، وهي خيانة مضاعفة من طرف المثقّفين وأهل المعرفة والعلم والتّربية والإصلاح والتّوجيه والتّأثير والفقه؛ لأنّهم قاموا بخيانة مزدوجة يندى لها الجبين عاراً؛ إذْ لم يدعموا جهاد المجاهدين في غزّة، وجهاد المجاهدين من المساندين لهم من مجاهدي الدّنيا وأشرافها، وهم قلّة؛ ففي اللّيلة الظّلماء يُفتقد البدر، إلّا أنّ الله غالب في كلّ أمره.
صمت المثّقفين والأدباء والموثّرين والمسؤولين وأهل المعرفة والعلم والإبداع والفنّ والتّربية والإصلاح والتّوجيه والتّأثير والفقه في إزاء المذابح التي تحدث الآن في غزّة على أيدي الصّهاينة المتوحّشين ومن والهم من أمريكا الشّيطانة وأوروبا وكثير من دول العالم ليس موقفاً جديداً أو غريباً لا على المشهد العربيّ ولا على الإنسانيّ؛ فمراجعة صغيرة وسريعة للتّاريخ البعيد والحديث والمعاصر تكشف لك مقدار صمت أهل العلم والثّقافة والرّيادة والدّين والمال في مواجهة الأعداء والمحتلّين، بل الكثير منهم زاد العار عارين، وكان في صفّ العدوّ، ووقف إلى صفّه، ودعمه، وتبرّع له، وصفّق له، وأفتى له، وأقلّ الخائنين الخانعين كان صامتاً، يلوذ إلى جحره، ولا نسمع له صوتاً، في حين خلى الميدان لأبي حميدان كما يُقال في الأمثال الشّعبيّة؛ فما فيه إلّا ظلم المحتلّ المعتدي، وحجل الخونة الرّاقصين أمام أسيادهم المحتلّين وصولات الأسود المجاهدين والمناضلين في كلّ مكان وزمان الذين شبّوا على الطّوق منذ كانوا رُضّعاً، وثاروا لأنفسهم وأوطانهم ودينهم وربّهم.
ليس بعيداً أن نرى الأمم تسحل الخونة في الشّوارع بعد تحرّرها، وليس بعيداً أن نرى خونة القلم والدّين والرّأي يتمرّغون في تراب أسيادهم المحتلّين، وليس بعيداً مَنْ رأينا منهم مشنوقين مثل الكلاب على أعمدة الطّريق من الخونة، وليس بعيداً مطبّلي السّلاطين والمنتصرين الذين أفتوا لهم بجواز كلّ كبيرة وخيانة، وليس بعيداً نصر الله الذين يأتي به على يد مَنْ اختارهم من عباده المجاهدين الذين يغسلون بدمائهم كلّ شبر نجّسه الأعداء والخونة، وثم تأتي شمس الحريّة باسم الله وفضله.
لو حاولنا أن نحصي الآن الأصوات المثّقفة والعالمة وذات الاعتباريّة الدّينيّة والأكاديميّة والإبداعيّة والمثّقفة والأدبيّة والشّعبيّة في الصّف العربيّ من البحر إلى البحر لهالنا مقدار الصّمت العربيّ، وهو أمر غير غريب بين طوابير من الصّمت الذي تتوزّع على خيانة مع السّبق والإصرار، أو على صمت جبريّ تحت نير أنظمة متصهينة تفتك بكلّ مَنْ يقول كلمة حقّ، وتلقي بالعلماء والأحرار والثّوار طعاماً للتّعذيب والقتل والنّسيان في غياهب السّجون، وبين متوجّسين رعاديد يخشون أن ينطقوا بكلمة حقّ قبل أن تُحسم المعركة، ويُحدّد المنتصر والخاسر فيها، فضلاً عن المتكسّبين والذّليلين الذين يتلقّطون لقمهم الدّسمة من موائد أسيادهم من المتصهينين العرب والأجانب، فضلاً عن العملاء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وسائل الإعلام العربيّة والمناسبات والاحتفالات والمؤتمرات واللّقاءات تعجّ دائماً بالأفواه المتشدّقة في كلّ مناسبة مّمن صدّعونا برؤية سحنهم الكابية وسماع كلامهم المجتر، لكن فجأة نرى أصواتهم تبخّرتْ إلّا القلّة من الأصوات الشّريفة، في حين اختفى جميعهم من السّاحة خلا مَنْ يملكون الوافر من الوقاحة الخسيسة ليخرجوا علينا بملابس الفرح، ويتحدّثّوا في توافه الأمور، ويتجاهلون عن سبق إصرار وترصّد المجازر المتوحشّة التي يقوم بها العدوّ الصّهيونيّ في حقّ أهل غزّة العُزّل، ويتغنّون بالعدوّ الصهيونيّ، ويحاولون أن يهربوا إلى خارج التّاريخ الذي يسجّله الآن مجاهدو غزّة بكلّ بطولة وإصرار وصمود عزّ نظيره في تاريخ البشريّة قاطبة.
أين هي الأصوات العربيّة المثقّفة المكلّلة بالعار التي تصمت الآن، ولا تجأر بكلّ ما فيها دعماً لنضال غزّة وصمودها، ولا تتوشّح فخراً بجهاد حماس ومَنْ والاها؟ّ
كلّ مثقّف أو مبرّز يصمت الآن عمّا يحدث في غزة العزّة هو شيطان أخرس بكلّ ما في الوصف من معنى. أنا شخصيّاً أتمنّى من أعماق قلبي أن لا أسمع هذا الأصوات المنافقة بعد الآن؛ فقد آن للخونة أن يخرسوا، وأن يدفنوا أنفسهم في تراب العار؛ فغزّة عرّت الجميع، وما عاد في مقدور أيّ أحد أن يخفي حقيقته بعد الآن.
إنّه أوان كلام المجاهدين والأبرار والثّوار والصّامدين على أرضهم رغم الجمر والنّار والحديد والوعيد والتعذيب، وهذا أوان كلام المثقّفين والمبدعين والأدب الشريف المناضل؛ فالأدب الذي لا يؤّرخ لإنسانيتنا ووجودنا وصراعنا وكفاحنا هو حطام ترفيه بغيض، لا يمكن أن يُكتب له الخلود، وسرعان ما يموت دون بواكٍ له، أمّا الإبداع الذي يسجّل الصّراع الإنسانيّ لأجل الأوطان والمبادئ والأرض ونصرة الإنسان والحقّ والفضيلة فهو السّفر الأعظم للإبداع؛ فالملاحم الإبداعيّة التي حفظها السّجل الإنسانيّ عبر العصور كانتْ تجارب الإنسان والجماعة ونضالهم لأجل الأرض والحقّ والحريّة والشّرف والإباء، وهي حوامل الجمال والمثاليّة وسّر البقاء.
إنّ استعراض عيون الأدب الموروث والحديث والمعاصر، وتمحيص ملاحم البشريّة ومنجزاتها الإبداعيّة في شتّى الفنون تبرز لنا جماليّة خالدة مهمّة، وهي جماليّة النّضال والحريّة والبقاء، حتى أنّنا نحمل صور وكلمات ومواقف أبطال هذه الأعمال، ونتغنّى بها، كما نتأسّى بأبطال الحرّية في كلّ صقع من أصقاع الوجود، والآن الجهاد الفلسطينيّ في غزّة يسّطر لنا لحظة تلو لحظة أعظم صور النّضال والبطولة والجهاد، ليس فقط الثّائر المجاهد الحمساويّ هو مَنْ يسطّر سطور هذه الملحمة، بل الطّفل والمرأة والعجوز والأرض والشّجر والتراب والمطر في غزّة جميعها تصرخ معاً دون توّقف: الله أكبر، النّصر قادم.
لن ألحّ على استنهاض همم المثقّفين والأدباء العرب والعالميين ليساندوا الجهاد المقدّس في غزّة وفي سائر فلسطين المحتلّة؛ فأنا لا أحب النّصائح كثيراً؛ "لأنّ المراجل لا تحتاج تذكيراً" كما يقول المثل العربيّ الشّهير، لكنّني أحبّ أن ألفتَ نظر أشراف الأمّة القلّة القليلة القابضة على جمر الكلمة إلى أنّ الجهاد متاح أمامهم حتى إنْ حرموا من الوصول إلى أرض المعركة، كما أنّ أقلامهم سيوف جوارح سوف يسألون عنها من العلي القدير في يوم الحساب؛ لذلك أتمنّى عليهم جميعاً أن يشرعوا في كتابة أعمالهم الإبداعيّة على شتّى الأشكال الأدبيّة والإعلاميّة والتّأريخيّة والتّسجيليّة والإعلاميّة من رواية ومسرح وقصّة قصيرة وسيرة ويوميّات وأدب أطفال ومقالات وخواطر ولوحات وفيديو وأفلام كرتون وأغانٍ وأفلام وبرامج الكترونيّة، وكلّ ما هو متاح لتأريخ هذه البطولة العظيمة في غزّة، وتوثيقها كي لا تضيع بالتّقادم، أو تزوّرها آلة الإعلام الصّهيونيّة أو المتصهينة، في سبيل تسجيل هذا الإرث النّضاليّ المشرّف، وحفظه لنقله إلى الأجيال المقبلة ليكون تاجاً على الرؤّوس المشرئّبة نحو الفخار والعلياء والنّصر، آن للأجيال الحاضرة والمقبلة من الأحرار في كلّ مكان أن يحفظوا ترنيمة الأرض الفلسطينيّة، وهي تعلو بأنشودة النّصر المقدّسة.
أدب المقاومة الذي أدعو إليه بأشكاله جميعها هو ترنيمة خاصّة للبشريّة؛ فلو لم يكن أدب المقاومة أدباً مجدياً يضطلع بدور عظيم ما كنّا منذ طفولتنا نتغنّى بقصيدة "هو بالباب واقفُ والرًّدى منه خائفُ"، وما رفعنا عقائرنا بـأغنية "زهرة المدائن"، وما حفظنا أسماء شهداء فلسطين، وما زيّنا جدران بيوتنا وقلوبنا بلوحات عبد الرّحمن المزّين" لنساء فلسطين ورجالها المناضلين، وما وضعنا الكوفيات الفلسطينيّة على أكتافنا، وما زرعنا الزّيتون في أراضينا، وما رقصنا الدّبكة في ساحات الوغى، وما زغردت الأمّهات لأبنائهنّ الشّهداء، وما رسمنا اسم فلسطين على الجدران والدّروب والقلوب.
الأدب رسالة الإنسان إلى الإنسان، كما هي الكتب السّماويّة رسالة الله عزّ وجلّ إلى الإنسان، كذلك فالأدب هو سِفْر من أسفار الخلود التي يسجّل فيها الإنسان عمله للأجيال القادمة، كما هو عمل للمبدع المخلص لقضيّته ودينه وإنسانيّته يقدّمه بيديه إلى خالقه العظيم في يوم الحساب الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون.
الإبداع المقاوم مهمّ، وهو فخر لكلّ الأمم التي تفخر بنضالها وبمناضليها الذين ناضلوا بالسّلاح والكلمة والبناء والصّمود، كما هو تأريخ للملاحم المقدّسة التي خاضها الإنسان في سبيل وجوده وحفاظه على حقّه ونسله وشرفه وأرضه وكرامته وحياته.
الحقيقة أنّ الأدب المقاوم في هذه اللّحظات المصيريّة من لحظات الأمّة الفاصلة هو جهاد بالكلمة بكلّ ما في ذلك من معنى، وهو منزلة ثانية في الجهاد بعد الجهاد الأعظم، وهو جهاد السّلاح وبذل الرّوح الذي يقوم به المجاهدون الأبرار في غزّة وفلسطين ومَنْ دعمهم ووالاهم.
كذلك يجب أن يكون هناك نصيب كبير للطّفل والنّاشئة من الأدب المقاوم الذي يخاطبهم، ويربّيهم على البطولة والإباء والمقاومة، ويحفر في دواخلهم قدسيّة قضيّتهم، ويوعّيهم إلى دورهم المنتظر في الجهاد والدّفاع والتّحرير، فهذا النّوع من الأدب المقاوم المخصّص للأطفال والنّاشئة يجب أن يكون هو الهدف الأوّل بعد هدفي الحرب الإعلاميّة للتّأثير على الرّأي العامّ، وتوثيق هذه الملحمة التّاريخيّة النّضاليّة المشّرفة كما حدثتْ في الواقع دون أن تتلاعب بها أيدي التّحريف والتّدليس من الأعداء الصّهاينة والمتعاونين معهم، ثم يأتي مباشرة هدف تربية الجيل الجديد من النّاشئة العربيّة والمسلمة في شتّى أصقاع الدّنيا على معاني التّضحية والجهاد والإباء والعزّة والبطولة والقّوة والرّدع المسلّح، بعد أن يشبّعوا بقيم أبطال الجهاد في غزّة من مجاهدين وشعب صامد ابتداءً من الفدائيّ الشّجاع مروراً بالعجائز والأطفال والنّساء والرّجال والمستضعفين وكلّ فئة من فئات الشّعب الصّامد في غزة وفلسطين، ليحلّ هذا النّموذج المشرّف في وجدان أبنائنا ووجدان الجيل المقبل، فيتشبّعوا به، ويطرحوا عنهم النّماذج السّاقطة التي تحاول الكثير من الجهات تسميمهم بها كي تفشل مشاريع تربيتهم، وتحيّدهم عن القدوات العليا في الجهاد والبناء والخير من أبناء جلدتهم؛ فيخيب الرّجاء منهم، ويضّلوا الخطوات في درب الحياة والآخرة.
يجب أن يصبح المجاهدون في غزّة وفلسطين هم أبطال أطفالنا وناشئتنا، وعليهم أن يتعلّموا منهم، وأن يصبح القرآن معلّمهم الأكبر، وأن تمتلئ أرواحهم بكلام الله عزّ وجلّ، وأن يؤمنوا بحقّهم في الحريّة والكرامة على أرض وطنهم، وأن لا ينساقوا خلف مَنْ يضّللهم، وأن يهتفوا جميعاً: بالحريّة لكلّ شبر من فلسطين وكلّ أرض عربيّة أو إسلاميّة محتلّة، وأن يصرخوا بالموت للعدوّ الصّهيونيّ ومن والاهم من الخونة والدّاعمين والمتآمرين والصّهاينة، كما يعلم الصّهاينة أولادهم كلّ معاني الكره والحقد على الفلسطينيين الأحرار والعرب والمسلمين في فلسطين وخارجها.
يجب أن يصدح أبناؤنا جميعاً بما يصدح به أبو عبيدة عندما يقول: "هو جهاد؛ إمّا نصر وإمّا شهادة"، في إزاء ما يصدح به أطفال الصّهاينة الذي خرجوا يغنّون على الملأ وعبر قنوات التّلفزة الصّهيونيّة بكلّ وقحة مهدّدين بإبادة غزّة عن بكرة أبيها: "سنبيدهم جميعاً في غزّة ونعوج آمنين، طائراتنا تمزّق أشلاء وإرباً وجيشنا يعبر الحدود، لن نبقي شيئاً، خلال عام سنبيدهم جميعاً، ونعود بعدها لحراثة وزراعة حقولنا".
على الرّغم من المصاب الجلل في خضمّ هذه الحرب المتوحّشة التي تُشن من الكيان الصّهيونيّ المتعفّن ومن حلفائه على غزّة الأبيّة لإبادتها، إلّا أنّني مصمّمة على أنّ القلم المبدع العربيّ النّزيه عليه أن يقوم بدوره في التّدوين والكتابة وتأليب الرّأي العامّ ضدّ العدوّ الصّهيونيّ، وفضح تزويره وأكاذيبه، وإنصاف صورة شعبنا المناضل الذي يعيش ملحمة نضاليّة مستحيلة لا مثيل لها في تاريخ الإنسانيّة قاطبة في الصّمود والجهاد والصّبر على حرب إبادة متوحّشة بالأشكال والمفاهيم جميعها، وهذا أقلّ ما نقدّمه من دعم لإخواننا المجاهدين الأبرار في غزّة من حماس وشعب وفصائل وأفراد مساندين لهم في غزّة وخارجها، على الرّغم من إيماني العميق بأنّ الوقت الآن هو وقت السّلاح لا الكلمات، لكن الكلمات أفضل من الصّمت؛ فأنا أؤمن بعمقٍ برائعةِ أبي تمّام التي يقول فيها:
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ
في مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
إنّ الإبداع العربيّ في هذه اللّحظات المخاض في تاريخ الأمّة والإنسانيّة جمعاء يعيش انعطافة خطيرة وتاريخيّة؛ إذ إنّ ما يحدث في غزّة الآن من بسالة وصمود أمام التّوحّش الصّهيونيّ قد غيّر وجه التّاريخ المعاصر كلّه، وقد يغيّر خرائطه للأبد؛ وأنا أصمّم على أستخدم صفة (الفاضحة) لهذه المشهديّة؛ إذ إنّ صمود غزّة وجهاد حماس قد فضح الوجوه والمواقف كلّها؛ فما عاد هناك أقنعة؛ فهي جميعاً قد سقطتْ، وما عاد هناك منطقة رماديّة أو محادية في المشهد؛ فالجميع قد تعرّوا، وما عاد هناك مواقف مخفيّة، كذلك ما عادتْ هناك أقلام محيّرة الاتّجاهات؛ فالأقلام جميعها قد وُضعتْ تحت المجهر بشكل جبريّ، والمواقف جميعها أصبحتْ معلنة جبراً، وما عاد لأحد أن يتمترس خلف الصّمت أو الاختفاء، ومَنْ لم يكن له أيّ نصيب في الدّفاع عن إخواننا في غزّة والوقوف إلى جانبهم ولو بالكلمة، فهو قد رمى نفسه بعار الخيانة وذلّ الصّمت وعدم الرّفض؛ العالم الآن صّفان فقط لا ثالث لهما: مع غزّة والجهاد وحماس، أو مع الصّهيونيّة والتّوحّش والاحتلال والظّلم وإبادة الشّعب الفلسطينيّ عن بكرة أبيه، واحتلال أرضه على مرأى العالم وصمته.
أقلّ ما يمكن أن يقدّمه القلم العربيّ والعالميّ الشّريف هو موقف واضح ومحدّد وباسل وجريء وصادف في الدّفاع عن غزّة وأهلها في وجه بربريّة الصّهاينة ومَنْ تصهين معهم من برابرة الأرض وأراذلها ووحوشها؛ فمن لم يكتب اسمه مع المجاهدين مع غزّة بشكل أو بآخر، قد باء بالخزي والعار إلى يوم يبعثون.
إرسال تعليق