سعد احمد الكبيسي
بينما أتجولُ يومياً بينَ الأسواقِ والزياراتِ ومجالسِ العزاءِ وبعضِ التجمعاتِ انتبهتُ إلى حالاتٍ غريبةٍ لم تكن موجودة من قبلُ وهيَ العجزُ الذي أصابَ بعضَ الرجالِ، وكأنَّ أحدُهم عمرَهُ ألفَ سنةً فأغلبُ من رأيتِهم أعمارُهم لا تتجاوزُ الستينَ، بلْ منهم من دخلَ تواً في الأربعينَ، وهم يحملونَ العكازَ، ويكادونَ يحبونَ حبواً وجوهَهم صفرٌ شاحبةً كأنَّ الحياة فاتتهم وهم ينتظرونَ الموتَ ، ولا أدري ما أصابَ هؤلاءِ القوم أهو التعبُ النفسيُّ أم الركونُ إلى الهمِّ أم هوَ دورُ الضحيةِ والشفقةُ أو اعتقاد النَّاس أنهم بمجرد الوصول إلى عمرٍ مُعيّن فإنّ الوقت قد فاتَ لفعل شيءٍ ما !
الأربعين هذا الذي يراه الناس وقتاً متأخراً للبدء، نزلَ فيه الوحي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فغيَّر به الدُّنيا كلها! ولن أقول لكَ إنَّ نوحاً عليه السلام كان عمره ألف عامٍ حين كتبَ الصّفحة الأخيرة من الحكاية ! العجز والاستسلام ليس له عُمر، لأنه ليس مرتبطاً برقم بقدر ما هو مرتبط بعقليَّة، وطريقة تفكير، ونظرة إلى الحياة ! واليكم امثلة على علو الهمة عند اصحاب الهمم تعلَّمَ ابنُ الجوزيِّ القراءات العشر وهو ابنُ ثمانين سنة، ومن الناس من يخجل أن يذهب إلى دار تحفيظ وهو ابن ثلاثين ! هنري فورد اسَّسَ شركته العملاقة حين بلغَ الخامسة والأربعين، مهما كان عُمرك يمكنك أن تبدأ ! أبو أيوب الأنصاريّ شاركَ في حصار القسطنطينية وهو ابنُ مئة سنة ، وقبره ما زال ماثلاً عند أسوارها يُخبرنا أن العمر مجرَّد رقم ! هارلاند ساندرز أسَّسَ سلسلة المطاعم الشَّهيرة "كنتاكي" في الثانية والسِّتين من العمر! الأمور تتعلق بالهمم لا بالسنوات، بالعقلية لا بالشيب، بالنظرة إلى النفس والحياة لا بالتجاعيد! زوجة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي حصلت على درجة الدكتوراة في تفسير علوم القرآن وهي في الخامسة والسِّتين ! الشيءُ الوحيد الذي يمنعك من أن تبدأ هو العجز والاستسلام . القضية كلها إرادة، دعوا أعماركم خارج الموضوع !
إرسال تعليق