صباح الزهيري
- الشيخوخة :
سببٌ للموت .
كلما تقدّم به العمر ُ
قلَّ اهتمامهُ بالأشياء .
هذا الصباح
لم يجد سَبباً للاستيقاظ .
يظل الإنسان والزمن في علاقة متشابكة, التجاعيد بصمات علينا جميعاً أن نتعايش معها, كل محاولات لإخفائها ثمنها غالٍ,هناك مثل يقول : الشباب له وجه جميل , والشيخوخة لها روح جميلة, ويقول أحدهم : اليوم اصبحت ارى أن مجرد الاستحمام هو هدف حقيقي لهذا اليوم ,والقيلولة لم تعد اختيارية بعد الآن إنها إلزامية , لأنني إن لم آخذ قيلولتي بمحض إرادتي فأني سأغفو حيث أجلس. عندما بلغ الفيلسوف جيته الثمانين من العمر قال : (( يجب علي أن أتغير , وأجدد شبابي على الدوام وإلا تعفنت)) , نحن الآن أولئك الأشخاص كبار السن الذين اعتدنا على رؤيتهم ولم نتخيل يوما أننا سنكون مثلهم, ولما سألوهم عن سبب عزلتهم واحتجابهم قالوا (هذا ليس زمننا ) ,وكتب أحدهم : (كنت وسط رفقة انسجم معهم وغابوا تباعا ومن الصعب ان اقتحم حلقات صحاب اخرين لأني ساجد صعوبة في فهمهم وسيجدون صعوبة في فهمي. (كان من عادتي في المطارات حين سنوات السفر الأولى أن أتوجه أولاً إلى محل بيع الأقلام لأنتقي الجديد (والوجيه) منها, والآن صارت الأقلام شيئاً أثرياً, وصار أثرياً العطر الذي أستخدمه بعد الحلاقة, ولا أعرف أن أستخدم سواه, ولم أعد أعثر عليه في السوق الحرة وإنما في أسواق البلد, وكنت أشتري لنفسي ولأصدقائي ربطة عنق تعرفت إلى ماركتها من السفير وداد عجام رحمه الله الذي عرفه إليها الوزير المرحوم سعدون حمادي, والآن تكاد تختفي ربطات العنق في المطارات وفي البيوت, لقد مضت عليّ سنوات مذ أقصيت , لم أشتر خلالها ربطة, ولم أهديها ولم تهدى الي. بل صارت الكرافاتات ضد الأناقة.
تعجبني قصيدة ألأثرم لدقة وصفها:
(( كبرت وجاء الشيب والضعف والبلى
وكل امرئ يبكي إذا عاش ما عشت
أقول وقد جاوزت تسعين حِجَّة
كأن لم أكن فيها وليدًا وقد كنت
وأنكِرت لما أن مضى جُلّ قوتي
وتزداد ضعفًا قوتي كلما زدتُ
كأني إذا أسرعتُ في المشي واقف
لقرب خطا ما مسها قِصَرًا وَقتُ
وصرت أخاف الشيء كان يخافني
أُعَد من الموتى لضعفي وما متُّ
وأسهر من برد الشتاء ولينه
وإن كنت بين القوم في مجلس نمتُ)) .
يقول المتفائلون ان الشيخوخة ليست فقدان الشباب, وإنّما مرحلة جديدة للفرصة والقوة, وأن سر العبقرية, هو أن تحتفظ بروح الطفولة إلى سن الشيخوخة, ما يعني ألّا تفقد حم اسك أبداً, وكما يقول فرانسيس بيكون : تكمن الشيخوخة في الروح اكثر مما تكمن في الجسد , يشجعني كلام شكيب أرسلان حين يقول : البعض يولدون شيوخا , وألآخرون يموتون شبابا ,اما مكتبتي فهي مزرعة ٌ لا تنوشها الشيخوخة ُ, لكن الملل مرايا لا ترى فيها سوى جهة واحدة, وأما التأمل : فهو كما أن تتصفح نصاً لا يراهُ سواك, كم يؤلمني دعبل الخزاعي ( ضحك المشيب برأسه فبكى ) , أعتقد بأن الحكمة تزداد مع تقدم العمر , والبعض يكبر في السن, في حين ينضج البعض الآخر, فقل للرياح أن تاتي كيفما شاءت، فما عادت سفن العمر تشتهي شيئا .
إرسال تعليق