الدبلوماسية : هندسة الجينات.

مشاهدات


 

صباح الزهيري

 

عام 1989 صدر أمر نقلي الى سفارتنا في أنجمينا عاصمة تشاد , تم أختياري للعمل كشخص ثاني في البعثة وكمترجم  للسفير المرحوم خليل الونداوي , وهو مناضل عريق معروف وكادر مهني سبق وأن عملت بأمرته عند تواجدي في الوزارة , وأضافة لخبرته المهنية  فقد سبق له العمل في بعثاتنا في باريس وكابل , كانت تشاد من الساحات المتحركة وغير المستقرة , ويتطلب لمن يعمل فيها أن يكون متمرسا وقادرا على أتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات الحاسمة , وهو سبب أختيار المرحوم الونداوي لرئاسة البعثة .

 

تعتبر اللغة العربية لغة رسمية في تشاد اضافة للغة الفرنسية , ولذا كانت مهمة التواصل مع المؤسسات والشخصيات الرسمية والسياسية والأجتماعية سهلة خصوصا أنا وجدنا ان اللهجة التشادية أكثر وضوحا بالنسبة الينا من اللهجات المغربية او الجزائرية, ولذا كانت مهمتي في الترجمة تقتصر على اللقاءات مع الدبلوماسيين ألأجانب , كانت شخصية السفير قد وجدت لها مكانا واسعا على صعيد العلاقات السياسية نظرا لكونه شخصية محببة وأنفتاحه على كل ما من شأنه الترويج للأفكار العروبية والقومية في مجتمع كان متعطشا للعودة لجذوره الأصلية بعد معاناة طويلة من الأغتراب تحت ألأستعمار الفرنسي .

 

بعد هذه  المقدمة , وددت أن أسرد قصة تبين أهمية القراءة المستمرة للموظف الدبلوماسي وضرورة مواكبة التطورات المختلفة في شتى مجالات الحياة , بغية أغناء ثقافته العامة بما يعزز من شخصيته ويرصن حضوره.....كنا في سهرة في دار السفير المصري حضرها دبلوماسيون من معظم السفارات العاملة في تشاد , بعد العشاء دار الحديث في مواضيع شتى من امور سياسات ذلك الوقت وكذلك أحاديث اجتماعية وثقافية , كنت منخرطا في الحديث مع القنصل الفرنسي وهي سيدة محترمة تتحدث ألأنكليزية بطلاقة , ومعنا السكرتير ألأول في السفارة ألأميركية وكان حديثنا منصبا عن موضوع هندسة الجينات, ((Genes Engineering )) الذي كان موضوع الساعة في ذلك العام 1989 , وكان السفير يتحدث مع قسم من الحضور الذين يتكلمون العربية في أمور أخرى , ويبدو ان ماكنا نتحدث به قد أستجلب أهتمام الحضور الذين تركوا شواغلهم وما كانوا يتكلمون به وطفقوا ينصتون لما نقوله وكيف سيتحكم ألأنسان بنوع المولود ولون البشرة والعينين ومستوى الذكاء ....الخ عن طريق التحكم والتلاعب بالكروموسومات , ولما كنا نتحدث باللغة الأنكليزية فوجئت بالسفيرالونداوي الذي كنت اجلس قربه يلكزني من جنبي , ولما التفت اليه سألني : (( عليش دتحجون ؟ )) , فأجبته : (( هندسة الجينات )) , وعدت أستأنف مشاركتي الكلام مع جماعتي , لأفاجيء به رحمه الله يلكزني مرة أخرى ويسألني : (( يعني شنو هندسة الجينات ؟؟؟ )).

تعليقات

أحدث أقدم