الاكاديمية والخبيرة القانونية
د.راقية الخزعلي
قال تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}[إبراهيم 42-43].
اقامت دولة جنوب افريقيا في 29 / كانون الأول / ديسمبر / 2023 دعوى قضائية امام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمة انتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية في قطاع غزة. حيث ذكرت الدعوى، أن إسرائيل ومنذ 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023 ترتكب جرائم أبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني المحاصر.
ولكي نفهم موضوع الدعوى، لابد من التعريف بجريمة الإبادة الجماعية أولا ثم نتولى بيان احكامها وشروطها.
يقصد بالإبادة الجماعية، جرائم القتل الجماعي المرتكبة بحق مجموعات معينة من البشر بقصد تدمير وجودها كليا او جزئيا على أساس القومية، العرق، الجنس او الدين.
ظهر هذا المصطلح في عام 1944 حينما سعى محامي يهودي بولندي يدعى (رافائيل ليمكين) الى وضع وصف للسياسات النازية للقتل المنظم، بما في ذلك إبادة الشعب اليهودي الأوربي وقام بتشكيل مصطلح (الإبادة الجماعية).
عقد اول مؤتمر حول الإبادة الجماعية في 14/أكتوبر/1950 في نيويورك. نظرا للجهود المتواصلة التي قام بها (رافائيل ليمكين) بنفسه، ومن ثم اقرت الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها في 9/كانون الأول/1948. واعتبرت هذه الاتفاقية (الإبادة الجماعية) بمثابة جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها بمنعها والمعاقبة عليها.
تتكون هذه المعاهدة من 19 مادة قانونية تم إقرارها والمصادقة عليها في ذلك التاريخ.
بينت المادة الثانية من هذه الاتفاقية الحالات التي تعد فيها الأفعال المرتكبة جريمة (إبادة جماعية) وأشارت المادة الرابعة من هذه الاتفاقية على معاقبة مرتكبو الإبادة الجماعية سواء كانوا حكاما او افرادا.
انضمت الى هذه الاتفاقية كل الدول الاعضاء في الأمم المتحدة وبعض الدول غير الأعضاء أيضا. وهي تشير الى واجب الدول الأطراف في منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة الدول المرتكبة لها، وتعد كل من فلسطين وإسرائيل طرفان في هذه الاتفاقية.
طالبت جنوب افريقيا في هذه الدعوى بحصانة المدنيين في غزة، كما طالبت بإصدار قرار بالوقف الفوري لأطلاق النار في غزة. وارفقت عريضة الدعوى الأدلة والوثائق والصور المدللة على ارتكاب الكيان الصهيوني لجريمة الإبادة على الشعب الفلسطيني، كما ساعدت تركيا في تقديم الأدلة الثبوتية لمحكمة العدل الدولية حول هذه الجريمة. وعقدت الجلسة الأولى للمحكمة يوم الخميس الموافق 11/1/2024 ثم اعقبتها الجلسة الثانية بتاريخ 12/1/2024.
بيد ان هذه الدعوى قد تثير جملة من الأسئلة سنحاول الإجابة عليها وتوضيحها وبالشكل التالي:
أولا: لماذا لجئت دولة جنوب افريقيا الى محكمة العدل الدولية وليس للمحكمة الجنائية الدولية؟ ما الفرق بين المحكمتين؟
نجيب على ذلك بالقول، ان المحكمة الجنائية الدولية، هي محكمة جزائية، جنائية، دولية تحاكم افراد (قادة، افراد، وزراء...الخ) اما محكمة العدل الدولية، فهي ليست محكمة جنائية وانما هي محكمة تحاكم الدول في ارتكابها جرائم بدول أخرى.
ثانيا: ما سبب قبول الكيان الصهيوني الامتثال امام محكمة العدل الدولية، على الرغم من انه يستطيع تجاهلها وعدم حضور الجلسة؟
ثمة سببين وراء ذلك حسب اعتقادنا، السبب الأول لان اتفاقية الإبادة التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية، يرجع أساسها من حيث الأصل، لما ارتكب ضد اليهود من إبادة في اوربا وبات الان من الصعب القول، باستخدامها ضد الكيان الصهيوني نفسه. اما السبب الثاني، فهو يعود الى خطورة الأدلة التي قدمتها جنوب افريقيا وتركيا في هذه القضية، فاذا ما ثبتت هذه الأدلة فسوف تمتنع الدول عن تقديم أية مساعدة او عون للكيان الصهيوني وألا تعد منتهكة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
ثالثا: هل يتوقع، ان تصدر محكمة العدل الدولية امرا مستعجلا بإلزام الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار؟
نجيب على ذلك بالقول، أن اصدار الامر بوقف إطلاق النار من قبل الجانب الصهيوني مسألة تتوقف على مدى قوة الأدلة الثبوتية التي قدمت للمحكمة حول جريمة الإبادة الجماعية، ولا يشترط هنا اثبات وجود نية الإبادة في الأفعال بل يكفي وجود شبهة الإبادة لإصدار الامر التحفظي المستعجل بوقف إطلاق النار. وحسب تصورنا، انه امر ليس سهلا على المحكمة خاصة بعد انكار ممثل الكيان الصهيوني لهذا الجرم وادعائه بان إسرائيل تعمل على الدفاع عن نفسها من الاعتداء الذي وقع عليها من حماس في 7/أكتوبر ولغاية الان.
رابعا: ماذا لو أصدرت محكمة العدل الدولية امرا مستعجلا بوقف إطلاق النار، هل يتوقع ان يلتزم الكيان الصهيوني بأوامر المحكمة ويتوقف عن إطلاق النار لحين اصدار الحكم في الدعوى؟ بعبارة أخرى، هل قرارات المحكمة ملزمة للكيان الصهيوني؟
نعتقد ان مجرد حضور ممثل الكيان الصهيوني في الدعوى فهذا دليل على شعوره بمدى خطورة هذه الدعوى التي قد تقلب كل الموازين الدولية ضده، كما نعتقد انه من الراجح ان يمتثل الكيان الصهيوني لأوامر المحكمة.
ولابد من الإشارة هنا، ان محكمة العدل الدولية في عام 2022 شكلت لجنة من ثلاث قضاة من المحكمة مهمتهم متابعة تنفيذ التدابير التحفظية المتخذة من قبل المحكمة والتواصل مع الدول المعنية في ذلك، وعليه فهي قرارات ملزمة للجميع بما فيهم الكيان الصهيوني.
خامسا: كم الوقت المتوقع لإصدار الامر المستعجل الخاص بوقف إطلاق النار؟ وكم هو الوقت الذي قد يستغرق لإصدار الحكم النهائي في دعوى الإبادة الجماعية؟
نعتقد ان الوقت الخاص بإصدار الامر التحفظي المستعجل بوقف إطلاق النار سوف يتم حسمه خلال هذا الشهر، اما الحكم في دعوى الإبادة الجماعية، فيحتاج لمدة أطول قد تستغرق شهورا او ربما سنوات.
وأخيرا وليس اخرا، ندعو العراق وباقي الدول العربية للانضمام لهذه الدعوى الى جانب دولة جنوب افريقيا والعمل على مساندتها ومساندة الشعب الفلسطيني ضد ابشع جريمة ترتكب بحقه (جريمة الإبادة الجماعية).
إرسال تعليق