صباح الزهيري
يقول ابن عربي : كل من حار وصل والذي اهتدى انفصل, العجز عن درك الإدراك إدراكٌ فتحيرٌ , فوصل , فالوصول إلى الحيرة في الحق هو عين الوصول إلى الله, والحيرة أعظم ما تكون لأهل التجلي , لاختلاف الصور عليهم في العين الواحد, ويقول الشيخ قطب الدين البكري الدمشقي :
الحيرة لها ثلاث مراتب : مرتبة : تخص بأهل البداية وهي تكون على المحبوب , وهي مذمومة يجب التخلص منها فإنها تضاد المعرفة والمعرفة واجبة , وماصرف عن الواجب فتركه واجب , والمرتبة الثانية : خاصة بالمتوسطين , وهي الحيرة في المحبوب بتجليه على القلوب بأنواع الغيوب لفتق الجيوب , فيدخل منها لحضرة التحذير , ويقال له : لا تحذر , ويسقى خمر التعريف والتنكير ويقال : لا تسكر , والمرتبة الثالثة : خاصة بالكاملين , ودليلها : قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْري ما يُفْعَلُ بي وَلا بِكُمْ . قرأت وما أكثر قرائاتي تساؤلا يقول ترى لماذا ونحن نوشك أن نودع محطات العمر, والقلب أحكم أغلاقه اذ المفتاح بيد أول منزل , يبدأ بالخفقان عند سماع هديل الحمام الفتي ؟ ترى كم من بيضات الأحلام اليائسة للحمام تكسرت في عشها المكتوم لتبعث حسرة غامضة سرعان ماتحتويها تلافيف الزمن المتسارع ؟ وكم أرطب القلب بحب فتي طردته وساوس الفكر السديد؟ آه ياهديل الحمام , وقعك جميل وهمك ثقيل , يبعثُ الشوقَ بعد طول رُقاد.
هاهو جلال الدين الرومي يقول : ((لا تنطفئ، ربما كنت لأحدهم سراجاً وأنت لا تشعر, وعندما يقدّم القلب شهادة فما الحاجة إلى شهادة اللّسان؟ )). لا أعرف ماذا أفعل لنفسي التي إذا إشتاقت قست , وإذا غارت جنت ,وإذا خافت إبتعدت و إذا شعرت أن كرامتها في خطر رحلت , وهي العزيزة التي لايبهرها المال ولا الهدايا و لا تهتم إن حرمتها من كل الأشياء في سبيل التنازل عن مبادئها , تلك النفس العنيدة في الحق لا تتراجع عنه قيد أنملة , تمـــــلك قلب طفل و عقل راجح بأستمرار , تلك التي تؤمن ان عزة النفس لا تقدر بثمن , وتجود صبــرا كثيرا و تمنح أكتر الفرص وإن غادرت فهي لن تعود؟. يقول محي الدين بن عربي : ((الزمانُ مكانٌ سائلٌ , والمكانُ زمانٌ متجمِّد)), ويرد شمس التبريزي : إن لم تكن روحك مستعدة لتسليم نفسها لروح أخرى, فلآ تقل لأحد أنك عآشق, وإن الساعي إليك حلالاً لن يخونه دربه ..وسيسوقه الله الى عقرِ دارك مجروراً من قلبهِ كان سيدي ابراهيم الدسوقي لايذوق طعم النوم بالليل وذات مره وهو واقف بين يدى ربه اخذته سنه , فسمع هاتفاً يقول له أتغفل عنا ونحن نحبك ؟ فاستيقظ ولسان حاله يقول :
كلي بكلك مشغول عن البشرِ فكيف أنساك ياسمعي ويابصري
لو ان عيني إليك الدهر ناظرة مضت حياتي ولم أشبع من النظرِ
عندما كنا طلابا في الكلية كان عندنا درس أسمه ألأختزال أو فن الخلاصة فيه قاعدة تقول:
((كن مقتضباً قدر ما تستطيع, وكن مباشراً قدر ما يمكن, وكن بسيطاً مثلما يجب)).
لماذا لم أنصت لأهل التجربة حين حذرونا وقالوا : إياكم والمقاعد الأمامية في قلوب الآخرين , لأنها ستكون الأكثر تضررا بحوادث فقدان الثقة وسوء الظن, كونوا على الحياد , لاوصال دائم , ولا فراق موجع , وستنعموا بدفء القلوب,ها أنا امد عمري على مسافات بعدك , فلا العمر يطول ,ولا المسافات تقصر, وبينما نحنُ ننتظر ان يمر الصعب , مَر العُمر .
إرسال تعليق