مقامة الطأطأة :

مشاهدات


 

صباح الزهيري


كتب الصديق أبا المصعب على صفحته نصا بعنوان ) أخلاق ( وقد ورد فيه : لا أعرف لماذا يريد شاعر أو أديب أن يكون صوتا , وهو مرتزق معروف في زمان مضى , وأجير في زمان اخر لاحق ,  أرفع له القبعة لأنه ( حاوي) ماهر يمتلك الأصابع العشرين , اليدين و القدمين , في كل جانب), وقد علقت له : ( هم طأطأو وبقينا سامقين ).ولما عاودت التفكير بالأمر حيث وجدت الموضوع يعن في بالي بما لم يبرد القلب , خصوصا انني مصاب بمرض الضغط , وإن احتباس الكلمات في القلب مصدر عذاب, فالكلمات إذا ازدحمت في الصدور  لم تجد سبيلاً للخروج إلى فضاء الحياة وتوشك أن تخنق صاحبها وتفتك به, ,البيان صحة نفسية لأنه يطلق الحرية الإنفعالية للإنسان ويحرره من الكتمان المضر, ويخلق نفساً سويةً خاليةً من الإزدواج والتناقض فيعيش المرء مستريحاً من أثقال الاختزان , يتوافق ظاهره كباطنه , ليس لديه ما يخفيه فيضفي هذا التوافق على النفس سلاماً وأمناً وطمأنينةً . 

 

لقد خاطب موسى عليه السلام ربه عز وجل : ((ويضيق صدري ولا ينطلق لساني)) وكأن انطلاق اللسان هو البلسم الشافي لضيق الصدر وازدحام القلب , وعليه  قررت ان أكتب هذه المقامة ولأبدأ بهدوء . المقولة الشهيرة لإبن خلدون:   ((في إفريقية وافق او نافق او غادر البلاد)) , كانت هناك مسرحية غنائية قديمة لسيد درويش يقول الكورس فيها : ((عشان ماتعلى وتعلى وتعلى......لازم تطاطي تطاطي تطاطي )) , صاحبنا المرتزق مثل صاحب علوكي الجميل والذي يقول عنه: ((ساكتٌ صاحبي عن الحق , مصنوعٌ وجههُ من ذلةٍ مفرطة ,كأنهُ حاكمٌ عربيّ)) . يذكرني هذا الحاوي بحادث حين وَقع زلزال في مصر زمن المماليك , فقال شاعر في مدح أمير المماليك ومتملقاً له قائلاً : (ما زُلزِلَت مصر من كَيد أُريدَ بِها    لكنها رَقَصَت من عَدلِكُم طَرَبا. ( كلنا يعرف أنه للتاريخ زوايا مختلفة ودرجات , فمنها الابراج والمنارات والشرفات الشاهقة ومنها المزابل والمجارير, و نحن قوم نُعاني من الاحتباس الحضاري بسبب تلوث الأخلاق وزيادة ثاني أكسيد الحماقة وارتفاع نسبة الجهل . في حوار من مسلسل مصري وجدت الممثل يقول : (( كلهم كدابين , وعارفين انهم كدابين , وعارفين ان احنا عارفين انهم كدابين, وبرضوا مستمرين في الكدب, وبيلاقوا اللي بيسقفلهم)) , اصحاب الورقات الثلاث الذين تراهم كل يوم بشكل وفعل مختلفين ,نحن اعظم بلد في صناعة السيبندية , ويحق لنا التفاخر بذلك بعد ان انعدمت الصناعات الوطنية الاخرى , سيبندية البلاد صناع قرارها الاقتصادي والسياسي ولهذا استحقوا التمجيد من صاحبنا المتلون, نحن في زمن النفعية التي يسميها أصدقائؤنا اليساريون (البراغماتية) فقد خرجوا من عصر المباديء اليها, قليلون من بقى على العهد مثل صديقي التونسي هاشم بلطي الذي كتب على صفحته :  

 

((كم أنت صديقي أيّها الإنسان أينما كنت .. تلك إحداثياتي..هي لا تخضع  إلى هوس الرّيحِ.. أو نزق الأراجيح .. تلك هي إحداثياتي إن شئت أن تظلّ صديقي..لا تجرّب سحبهاعلى نواتئ الألوان وجعجعة الحروف ,أو جرّها على عُقٓد الشّباك..)) . لكل عصر جاهليته , ونحن اليوم نجمع جاهلية كل العصور, ماذا نفعل مع هذا الواقع المرير الذي يعج بأشباه صاحبنا المرتزق؟ انه واقع لم يعد محترما أبدا , يتخذ الكثير منا العزلة , حتى صرنا مثل الفيله عندما تشعر الموت تعتزل القطيع لتموت بعيدا. أتتذكر رواية (العراب) الشهيرة لماريو بوزو؟ حين يقول على لسان العراب الكبير مخاطبا أبنه وهو على فراش الموت : ((حين أموت سيطلبون عقد السلام معك والتوصل إلى اتفاق, سيرسلون لك شخصاً تثقُ فيه , شخصاً من طرفنا من جماعتنا أو عائلتنا , وسيطلبون موعدا لعقد اجتماع من اجل السلام على نحوٍ دائمٍ , وخلال هذا الاجتماع سيتم اغتيالك أيّا كان هذا الشخص الذي سيرسلونه لكَ من أجلِ تحديد موعد الاجتماع , قُمْ بالتخلّصِ منهُ , إنهُ الشخص الخائن)) . نشكرهم لأنهم أقصونا.....هم خافوا من أمانتنا , وعزت نفوسنا أن ترجوهم , من يدري ؟ ربما كنا ضعافا وفسدنا, يعجبني ذلك الذي كتب : كن عظيماً ودوداً قبل ان تصبح عظاماً ودوداً, ايها السامق لا توجد شجرة لم يهزها ريح , ولا يوجد إنسان لم يهزه فشل, لكن توجد اشجار صلبة, ويوجد أشخاص اقوياء, وأنت منهم .

تعليقات

أحدث أقدم