نزار السامرائي
عندما شنت المملكة العربية السعودية ، هي وبعض حلفائها عملية عاصفة الحزم ، وارتفعت آمال عريضة بقطع أحد اذرع إيران في المنطقة ، بل في واحدة من أخطر نقاط السيطرة على الممرات الملاحية الدولية ، مارست أمريكا وبريطانيا ضغوطا كبيرة على بعض الدول المشاركة فيها ، فكانت قطر اول المنسحبين بحجج وذرائع تلائم المناخ السياسي السائد حينذاك ، وحولت منبرها الإعلامي المشهور إلى ناطق باسم قراصنة البحر (الحوثيين) ، ومحامي دفاع فاشل عن قضية باطلة، فكان الموقف القطري مجرد مناكفة للسعودية ، ومحاولة اثبات الذات عبر سياسة خالف تُعرف . ثم نجحت بريطانيا وامريكا في زرع صراع سري وقوي داخل من تبقى في تحالف العاصفة ، أي بين السعودية والإمارات العربية ، في احدى مراحل العاصفة ، فظهر مشروع كل منهما جليا ، فالامارات تسعى لشطر اليمن واعادته إلى ما قبل الوحدة بين الشمال والجنوب ، والسعودية لا تريد يمناً محرراً وموحداً قوياً على حدودها الجنوبية حتى وان تظاهرت بخلاف ذلك، فكانت تعيش هاجسا مرعبا ان يستعيد اليمن عافيته كاملة ويطالب بما يظنه اقتُطع من أراضيه في جيزان ونجران وعسير من قبل السعودية ، فقرر الجميع باستثناء الشعب اليمني، أن يتحول اليمن إلى ساحة صراع ارادات مزمن ، خاصة وأن الجميع يعرف من خلال التجارب السابقة أن اليمنيين مقاتلين اشداء وعنيدون بالفطرة وبالممارسة ، فصارت الحرب عندهم لعبة كل المواسم ان فُرضت عليهم ، ولطالما ألحقوا اليأس ببريطانيا في الجنوب ، وادخلوا الجيش المصري في الشمال، في مأزق ما زال في الذاكرة المصرية يسترجع كثيرا من صوره المأساوية ، عندما وقفت السعودية مع نظام الإمامة ضد النظام الجمهوري الذي أقيم في البلاد بعد حركة 26 سبتمبر 1962، وهذا هو الذي دفع بكثير من الكتاب إلى القول إن السعودية هي التي جهزت لنفسها مسرح عمليات استنزافها بعد نصف قرن .
بذلت القوات السعودية كل ما لديها من جهد وطاقة لتحقيق نصر ما ، ولكن اداء قواتها كان مخيبا لامال قيادتها ومراقبي صفقات التسلح السعودية الضخمة مع مختلف دول العالم ، لقد تحَوَل تصارع الارادات بين شركاء عاصفة الحزم ، وتضارب مصالح كل منهم وتصادمها مع الشريك الآخر، حوَل المعركة إلى مسرح عبثي ملّه الممثلون والمخرج والجمهور على حد سواء ، مما دفع بمؤلف المسرحية إلى تمزيق اوراقها وأحراقها ورمي رمادها في مياه البحر الأحمر والبحر العربي . بالمقابل كانت بريطانيا ومن خلال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ، البريطاني الجنسية والخبث ، غريفث ، يضع العراقيل والحواجز والالغام ، أمام القوات اليمنية المدعومة ممن تبقى من تحالف العاصفة . وتحت شعار منع تعرض المدنيين للخطر، فتم وقف عملية تطهير الحديدة بتهديد بريطاني مدعوم أمريكيا ، هذه العملية لو تمت لاقتلعت اظافر الحوثيين واسنانهم ومخالبهم . أمريكا من جانبها سهلت عبر اسطولها البحري في البحر العربي تدفق الأسلحة الإيرانية من كل الاسماء والعيارات للموانئ الواقعة تحت السيطرة الحوثية لا سيما الحديدة التي صارت رئة سياسية اقتصادية وقبضة عسكرية لهم . ثم أصبح الحوثيون مثل نمر من شمع سرعان ما تحرك بعد أن مد ساحر مجهول يده اليه ، فكاد أن يفترس أيادي صانعيه الذين جعلوا منه رقما ولاعبا يتحرك ضمن قواعد اشتباك تحت السيطرة .
وبعد أن خرج الممثل عن النص واوشك أن يفتك بالمخرج وسائر الممثلين، أراد مصممو اللعبة القيام بما يحفظ لهم قليلا من ماء الوجه ان بقي منه شيء، وكما فعلت إيران بعد ان قتلت امريكا قاسم سليماني بضربة طائرة مسيرة ، عندما أبلغت أمريكا بأنها مضطرة للرد كي لا تفقد مصداقيتها وهيبتها أمام عملائها، فاعلمتها أنها ستوجه ضربة صاروخية لقاعدة عين الاسد في العراق ، من دون أن تصيب هدفا، وهكذا فعلت أمريكا وبريطانيا عندما قررتا توجيه ضربة كرتونية للحوثيين فأمدتهم بأسماء الأهداف كي يتم اخلاؤها من عناصرهم ، ومن الأسلحة المهمة كي لا تتضرر، وينتفض الحوثي ويفقد اعصابه بحيث لا تسكنها كل جلسات المضع المعتادة . من التعليقات الظريفة حول العملية الأمريكية البريطانية ، ما صدر عن إيران وهو أن العملية مسٌ بالسيادة اليمنية . هل تركت ايران لعملائها شيئاً من السيادة ؟ صدرت اليهم بضاعة رائجة في الوطن العربي اسم فلسطين لما له من رمزية عابرة للعواطف ، وكي لا تفلت منها فرصة الاتجار العملي بهذا الملف ، ارسلت للعرب (فيلق القدس) الذي وجه أفراده أسلحتهم إلى كل الصدور ما عدا صدور محتلي القدس الحقيقيين . اليمن بعد ان دنسته حوافر المحتلين الفرس، والذي كان سعيدا قبلهم، صار تعيسا إلى ابعد الحدود ، مثل كثير من بلاد العرب المنكوبة والموزعة بين أمريكا وإيران وبريطانيا وقفاً ذرياً ؟ السيادة صارت مجرد كلمة لا وزن لها ولا قيمة ، تتردد كثيرا على السنة أكثر الأطراف انتهاكاً لها ومساً بها واعتداءً عليها .
إرسال تعليق