عائشة سلطان
لا أحب هذا المنطق الذي يتحدث به البعض ممن يحاولون أن يظهروا أنفسهم بمظهر الحكماء الذين ينظرون للأمام بزاوية أوسع مما يفعل الآخرون الذين يوصفون بأنهم ضيقو الأفق، ولا يرون أبعد من أنوفهم أو مما تحت أقدامهم ! الذين يتحدثون بما يعتبرونه حكمة وإيثاراً للمصلحة يقولون إن على أي إنسان أن يحمد الله ويشكره مائة مرة على ما هو أياً كان وأينما كان، وكل محاولة منه للتبرم أو النقد والانتقاد أو محاولة التصحيح هي اعتراض على النعمة التي لو نظر حوله في كل مكان لوجد ملايين البشر محرومين مما يشكو هو منه! وبما أن من طبيعة النعيم والنعم أنها تزول سريعاً من بين أيدينا فإن الرضا والشكر بما هو قائم هو الضمان الوحيد للحافظ عليها، يقول هؤلاء الحكماء
أما أصحاب المنطق المقابل الذين غالباً ما يوصفون بعدم التبصر فإنهم يعتقدون أن السعي للأفضل حق مشروع، كما أن النقد والانتقاد خيار مشروع هو الآخر، فالقبول بالوضع الخطأ كما ينصح الفريق الأول لا يعني الرضا ولا القبول بقضاء الله وقدره، إنه إقرار بالخطأ وقبول به، تضامناً مع فاعليه وتستراً عليهم.. وهذا منطق منافٍ للتطور والتقدم والنمو، والسعي لرفع مستوى معايير الدقة وجودة الحياة ! هذا هو منطق ضيقي الأفق الحقيقيين، أصحاب المصالح الخاصة الذين لا يهمهم سوى الحفاظ على الأوضاع كما هي رغبة في إطالة عمر مصالحهم وأرباحهم، لكنهم ككل الثعالب الماكرة يرتدون قناع الحملان الحكيمة ليدفعوا الآخرين دفعاً للقبول بما يخدم مصالحهم بمنطق بقاء النعم وزوالها، وما أكثر هؤلاء أينما تلفتّ ! إن أكثر البيئات التي ينشط فيها هؤلاء أو أتباعهم هي مواقع التواصل التي تستقطب ملايين المتابعين أصحاب السيكولوجية التابعة أو المنساقة بلا تفكير وحس منطق جماهير (جوستاف لوبين) في كتابه الشهير (سيكولوجية الجماهير) ولذلك ينشطون هناك لإقناع الناس بالقبول والسكوت وعدم التذمر وعدم النقد وإخماد رغبة التغيير حتى لا تزول النعم التي بين أيديهم، والحقيقة أنه ما من نعم تزول برغبة الارتقاء والشفافية، ولكن النعم تزول بالتضامن مع الخطأ وحمايته، لأن الخطأ يدمر أما التصحيح فيبني ويعمر.
إرسال تعليق