صباح الزهيري
درج الكثير من العرب والمسلمين على التقليد الأعمى للغرب ونقل صرعاته كالاحتفال بما يسمى عيد الحب أو الفالانتاين , وحيث لابد مما ليس له بد , ندرج حالات حب في مجتمعنا العربي لنتماهى مع المناسبة . تذكرنا هذه المناسبة بالحب الغريب بين رامى وأم كلثوم , حب فيه عفة وليس فيه ابتذال وفيه وفاء وليس فيه غدر, وفيه احترام وليس فيه شهوة, فهو العاشق الذى يغضب فلا يحطم المعبد , بل يقف خارج المعبد يتعبد فى المحبوب الذى أذاقه مرارة العذاب ونار الحرمان , وكان يؤكد أن الحرمان هو أجمل ما فى الحب العذرى, وقد وصف صالح جودت هذا قائلا : ((ليس حب رجل لامرأة, فقد كان حبا إلهيا قدسيا مثل حب الإغريق لآلهة الأوليمب , أول رامى ما عرف أم كلثوم سنة 24 وهو يحس نحوها بنوع من الغيرة السامية, نوع من الرغبة في الصيانة والحراسة) .
وفي اعتراف لذليل : ((جسدك المبتل بالندى , كوردة لامستها آكف من لهيب القصائد يتساقط منها رطبا شهيا , وما أنتِ الا حلمي المتطاير تلهثين في تفاصيل النهار كالاسئلة )) , وذلك العاشق الذي قال لحبيبته: كم تمنيتُ أن أكون (أحولا) كي أراكِ مرتين, وزميله الذي كتب : ((أمّا أنا, فسأدخل في شجر التوت حيث تحوّلني دودة القزّ خيط حرير, فأدخل في إبرة إمرأة من نساء الأساطير, ثمّ أطير كشال مع الريح)) . وتلك التي كتبت : لأن بعض البوح إثم , وأغلب الصمت خطيئة فلا خيار أمامي سوى الاعتراف بأنك مازلت تمتلك مشاعري و تسكن قلبي , كل محاولة يائسة مني للهروب منك أكتشف أنها مجرد خطوة في رحلة البحث عنك فامرأة مأزومة مثلي لا تجيد سوى الفرار من رجل مثلك . هناك من يحب أغنية مثل (حمال الأسية) التي يقول عنها الصديق ابراهيم البهرزي : تبكيني هذه الاغنية وهي من مثابات القلب ,بل هي بيرق الأشواق في ميدان القلب , لها حساسيات طربية وتعبيرية , وحين اسمع فائزة احمد فانا لا اصغي للكلمات فحسب , بل اصغي للحروف الخارجة من حنجرتها , هذه القدرة الشيطانية على منح الحرف طاقة تعبيرية مذهلة يتجلى هنا في حرف ( الحاء ) الذي تزخر به كلمات هذه الاغنية , تأمل كيف تلون فائزة احمد حرف الحاء بغنجها وتفح فيه فحيحاً مغريا وتأمل شهقتها بحرف إلهاء حيثما يرد في الغناء ,الشياطين لوحدها هي من يجيد ذلك, يتأوّه الشاعر فيقول : ((النسيم ُ الدافيء في جُرح فمها اكثر ُ نشوة ً من الاغنية ,أغنية ٌواحدة ٌ بعشرات الألحان , لها الأنفاس ُ ولَك الطَرَب ُالمكتوم)) .
ومن وحي هذا العيد يسجل أحدهم أعترافا يقول : يقول نزار قباني قد تغدو امرأة ياولدي يهواها القلب هي الدنيا, متاح للرجل ان يعرف نساء كثيرات لكن تبقى لدى البعض واحدة هي التي تترك بصمتها, يتزوج ويطلق ثم يتزوج ويقيم علاقات عابرة متعددة لكن واحدة منهن هي التي تخلف ندبة في الروح مهما مر الزمن, الرجال لا يحبون الحديث عن خيباتهم العاطفية ,النساء اكثر انفتاحا في هذا الجانب, وقديما قالت العرب : البعض تعيش معه عمرا , لا تذكر منه لحظةً , والبعض تعيش معه لحظة تتذكرها طول العمر لأن الذي يحتل القلوب هي المواقف وليس الزمان . طويل حديث العشاق , يقولون نحن نقع في حُب أشخاصٍ لا يُمكننا الحصول عليهم, وفي هذا الزمان حتى الاحلام أصبحت ضيقة , فالمسافات مؤلمة , والعثرات مؤرقة , وعيون ألأحباب تحاصرنا في زوايا عالمنا المزدحم , الا وأن المحبين يتعزون بالروائح, تريد ان تشم رائحة حبيبك البعيد , تلك الرائحة الكفيلة بأن تجعلك تتماثل للشفاء , تخاف ان تخبر بها من حولك فيحسبونك مجنونا . الحب ملاذنا الآمن , وحضن الحبيب على ضيقه أكثر الأماكن أتساعا على ظهر الأرض, وقد ابتهج احد العشاق قائلا : ((لا أشعر ان الفرح سيكون فرحا الا اذا شاركتها اياه , والغمازة الصغيرة التي ترتسم على خديها حين تبتسم كعلامتي تنصيص , هي أجمل أقتباس في العالم , أن غمازتيها ليستا تجميلا طفيفا يحدث لحظه , أنهما فلقتي قمر)) . ومن رسائل غسان كنفاني الى غادة السمان: ((إنني احبك كما لم افعل في حياتي, اجرؤ على القول كما لم يفعل اي انسان وسأظل, اشعر ان تسعة اشهر معك ستظل تمطر فوق حياتي للأبد, اريدك, انتظرك وسأظل اريدك وانتظرك, وأذا بدلك شيء ما في لندن, ونسيت ذات يوم اسمي ولون عيني فسيكون ذلك مواز لفقدان وطن, وكما صار في المرة الأولى سيصير في المرة الثانية : سأظل اناضل لأسترجاعه لأنه حقي وماضيّ ومستقبلي الوحيد, لأن لي فيه شجرة وغيمة وظل شمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب وجذور تستعصي على القلع )) .
كل فالانتاين وأنتم بخير.
إرسال تعليق