كتب موفق العاني
عند الحديث عن ساجدة الموسوي نتوقف كثيراً قبل التسلسل فيه ، لإنها من النساء التي ولدت كبيرة في رؤاها وأفكارها وعشقها الوطني ، وبالرغم من أن تأريخ العراق الحديث شهد أكثر من شاعرة مبدعة منهن على سبيل المثال لا الحصر نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي ولميعة عباس عمارة وغيرهن ، إلا أن الموسوي حلقت بأجنحة الوطن فكان فضاؤها واسعاً لا تحده حدود الأغراض الشعرية المتعارف عليها في نقد ابن قدامة وعبد القاهر الجرجاني وابن قتيبة ، ودخلت في أعماق الوطن وارتفعت إلى سمائه واحتضنت حضارته وعانقت ماضيه وحاضره ، فتفجرت عيون شعرها لتتحول إلى أناشيد للفرح الذي تجذر في أعماقها وهي تسهم في بعث تليده المشرق ليتواصل مع حاضره من خلال مواقع المسؤولية التي جعلتها جزءً لا يتجزاً من مسيرة البناء الثقافي والفكري في العراق والوطن العربي وتجسد ذلك في دواوينها الشعرية وكتاباتها في الصحافة ومشاركتها الفاعلة عبر المنابر الثقافية المختلفة ، لقد أهدتني الشاعرة القديرة الطبعة الثانية من ديوانها الشعري ( بكيت العراق) التي رسمت فيه من خلال الكلم الرصين لوحة أفصحت دموعها فيها عن عمق الحزن الذي يمثل تلك الروح الوطنية الشامخة المبحرة في لجٍ وسط أمواج متلاطمة وعواصف متلاحقة دفعت بسفينتها لتكون بعيدة عن الشواطئ التي عشقت النظر اليها والرسو على مرافئها، وكل ذلك لم ينل من عزيمتها على مقارعة الأهوال للوصول إلى مرافئ الخيّر ومطلع النور !!!
إنظرها كيف تتساءل عن المفاجاة وكيف جاءت هذه الريح المجنونة تحمل سموم الحقد ؟ ومن أي جهةٍ لتعصف بوطن عصيٍ على الموت :
ماذا حلَّ بنا ؟
من أيّ جهات الأرض تجيءُ الريح ؟
تهدأ حينا ثم تصيح
غبراء
غريب مسراها
كانت تعصف دون هوادة
ارتعب الناس وضمّوا الأطفال بأذرعهم
قيل هو الطوفان
قيل الطاعون
قيل بوادر غزو مجنون شُدّى ياروح على
الأولاد نطاق الروح
ولنمسك سارية الله بقوة
لا غالب إلا هو
طاف الطوفان علينا فتجبّرْ
—— وتواصل بثقة متناهية إنها موجودة مشتولة في غابات النخيل وعطر الحنّاء فتقول :
ونوارس دجلة مازالت ترتاح إذا تعبت ، عند وافدنا
مازلنا فوق هدير الموج وعصف الريح نغني
نحن هنا
مزروعون بطين الماء
مازالت غابات النخل وأشذاءُ الحناء
مازال العهدُ وأشرعهُ الشهداء
مازلنا
بابلُ تشرق ثانيةً بين منازلنا
مازلنا نمخر والمد يصارعنا
غيض الماءُ وبان النخل
نوشك أن نصل البرَ
ما شاء الله
تلك منازلنا .
——
بهذه الصور البلاغية التي جمعت بين طباقٍ وجناس، وكناية وتشبيه ، تمثلت بالراحة والتعب ، والهدير والعصف ، وأشذاء الحناء في الفاو ، ورؤيا المنازل .. إنه عزف الألفاظ على أوتار قيثارة الأمل بالوصول إلى المنازل التي تحولت أشرعة الشهداء فيها إلى منارات يهتدي بها المبحرون .. لقد عاش الوطن في دواخل ساجدة الموسوي ، حتى أصبح الهواء الذي يضمن الحياة للإنسان ، وتحول إلى حبٍّ أبدي ، ومن يقرأ ديوانها بكيت العراق يجدها ترتديه ثوباً وتتخذه مسكناً وتعله ماءً حتى وإن نأت عنه :
أحبُ العراق
بدون حدود
ودون شروط
وفوق المدى والهوى
والجوى والشجن
——-
أحب ُالعراق
أعاند في حبه كل غاصب
وكل حقود وحاسد
وأشرع قلبي سلاحا وساتر
وهو إن مات جسمي
سيبقى ينازل
——-
أحبُ العراق
وأفديه روحي وقلبي
فلا تدفنوني بغير العراق
((إذامت يوما بعيدا))
—-
ولن أزيد كي لا أفسد على قارئ الديوان متعة التأمل فيه ، والتجوال في رياضه الغناء المملوءة بعطر زهور الحب ..
إرسال تعليق