جاسم الشمري
على الرغم من التقدم العلمي الهائل، والتطور الفكري المذهل إلا أن هنالك الكثير من أسرار هذا الكون بقيت غامضة، ولا يمكن للعقول البشرية أن تقتحمها، رغم المحاولات الجادة والحقيقية. ومن بين أهم الألغاز هي «الروح والنفس والعقل»، وربما قوله تعالى: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)، يجعلنا نترك التعمق في هذه الألغاز والمفاهيم . والحديث عن النفس من المواضيع المعقدة ، والإنسان السوي يفترض به أن يعرف نفسه، وكيانه وفكره، وأن يعمل جاهدا لتحقيق ذاته، وسعادته الروحية والفكرية. وينبغي أن يتساءل: هل أنا أتعامل مع نفسي بالشكل الصحيح، أم أنا أعاملها معاملة العدو الذي لا يهمه نتيجة الهجوم وأسلوب الخطاب والتعامل وحينما نتحدث عن النفس فنحن لا نتحدث عن الأسئلة الجدلية التي تدور في الفكر الإنساني، والتي حاول الفلاسفة والحكماء الإجابة عنها بتعقيدات مرهقة، بينما أجابت عنها الكتب السماوية بردود واضحة وحازمة، تحسم الجدل . وقد حثت الرسالات السماوية والمدارس الفلسفية الصافية على ضرورة تكريم النفس الإنسانية.
ومعلوم أن المناعة الجسدية تنعكس على قوة الجسد كذلك المناعة النفسية كلما قويت قلّت الأمراض النفسية وبالنتيجة تقل الأمراض العضوية . ويفترض التركيز على السبل المحققة لصيانة النفس ومنها التمسك بالإرادة، والثقة بالذات ومراجعتها، والإصرار على النجاح، وتحديد الهدف المطلوب بلوغه، والتصالح مع النفس، والتسلح باليقين والعلم ، وعدم التعصب ، والتفاؤل، والابتعاد عن التعميم . ونحن هنا لا نريد أن ندخل في نظريات أو أفكار علم النفس بل نحن نتحدث مع النفس (الذات والقارئ) مباشرة بعيدا عن الخلط في كثير من النظريات التي لم تتمكن غالبيتها حتى اليوم من زراعة السعادة في النفس البشرية إن تهذيب النفس ورعايتها لا تقل أهمية عن رعاية الجسد، وربما، تفوق أهميتها على أهمية الجسد لأن النفس المُرهَقة والقلقة تقتل صاحبها، وتتركه يدور في الجحيم . وحماية النفس توجب العناية المركزة على تهذيبها بالتربية والتعليم والتثقيف، ولجمها عن مدمرات الفكر والجسد، وصيانتها من أصدقاء السوء، والأفكار الهدامة، والنظريات الهابطة التي تحاول الكيانات الشريرة تلميعها والتسويق إليها . ولا يمكن التغاضي عن دور الأخلاق الفاضلة في سعادة النفس، وإقبالها على الحياة بخطوات مليئة بالثقة والبهجة بينما الأخلاق السيئة تدفع الإنسان لكراهية الناس والحياة.
إن التعامل القاسي، والأخلاق الجافة مع الآخرين قد تدفع العقلاء للشعور بالألم لأنهم حريصون على التفكير من أجل سعادة الآخرين، وربما، يتمنون لو تركوا الأمور بلا تخطيط، ولكن تجارب العظماء في الحياة علمتنا أن اليأس ليس من سمات العاملين، ولهذا يُفترض التحلي بالصبر والثبات حتى تحقيق الغاية من وجودنا على هذا الكوكب. وأَنْفُسنا هي الأجساد الشفافة غير المنظورة، والعناية بها تقود لصحة وسلامة الأجساد المادية المنظورة، ومن أكبر أسباب إرهاق النفس الإنسانية بالتعمق في السياسة لغير ذوي الاختصاص . لنرحم أنفسنا من ملاحقة السياسات الوضيعة لأنها تدمر النفس، وترهق الأعصاب، وتُعطل التفكير، ولنُلاحق السياسات الصافية لأن الإنسان والأوطان لا يُبنون إلا بالسياسات الرصينة . لنعتذر لأنفسنا على إهمالنا لها، وإرهاقها بالعكوف على فعاليات عبثية لم نجن منها إلا العداوات وضياع الصحة والأوقات، ومن ذلك عكوفنا، غير المُبرر، على الهواتف النقالة ولأكثر من عشر ساعات يوميا، وكذلك متابعتنا للحوارات السياسية السقيمة في غالبية مجاميع مواقع التواصل الاجتماعي النقاشية، والخالية من الفائدة والمليئة بالكراهية والهامشية والسطحية . لنعتذر من أنفسنا لأننا أنهكناها بأشياء لم نجن منها غير المشاكل والتعب . لنعتذر من أنفسنا ونرحمها لأنها أغلى ما نملك، وإلا فسنبقى ندور في دوامات عبثية سقيمة ومهلكة.
إرسال تعليق